للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومالك ما قاله مالكٌ ... وتاليه في علمه والعمل

وموفي ما دونته الكرام ... ومملي أحاديث قطب الملل

لك الله من سيد رأيه ... هدى من تحيَّر أو من يضلْ

هنيئاً بما نلت من رتبة ... فأنت المكافي لها والأجل

وهنّئتَ ختم كتاب الشفا ... وفزت بنيل المنى عن عجل

ولاقيت رضوان رب العبادْ ... ورضوانَ أحمد خير الرسل

ولا زلت كهفاً منيعاً لمن ... يلوذ بعلياك شمسِ الدول

وفضلك قاض بذا كلِّه ... وأرخ بنيل شفاءٍ حصل

ولم يزل الشيخ بعد ذلك ملازماً للإفتاء والتدريس وكان عالماً فاضلاً ذا همة عالية، ووقار وكرم نفس، وجمال سمت وهيئة، وأمال عالية أودع منها ما شاء في تاريخه، شاعراً ناثراً كثير النظم، أغلب شعره في مدح مخدومه وشكر عطائه. غير أنه لم يساعده الزمان بنيل الرئاسة، وجميع الشيوخ ينقمون عليه تقدمه عليهم.

عاجلته المنية قبل بلوغ الأمنية فتوفي بمرض الكوليرة الوبائية ليلة الجمعة الثاني عشر من شعبان الأكرم سنة ١٢٦٦ ست وستين ومائتين وألف بجبل المنار، وأوصي بدفنه جوار ضريح سديد عبد العزيز المهدوي رضي الله عنه، ورثاه الشيخ أبو العباس أحمد الكيلاني بقوله: [الطويل]

صروف الليالي لم تزل في تجدّد ... تروح علينا كل حين وتغتدي

وما ثمر الأيام إلا بوارقٌ ... وطيب جناه زائل لم يخلد

ففوز لمن لم يلتفت لنعيمها ... كصاحب ذا الرمس الهمام محمَّد

هو العالم النحرير وابن سلامةٍ ... سري جواد ذو علاء وسؤدد

سليم فؤاد من سليم نجاره ... له حسب يعلو على كل منجد

إمام له في العلم أرفعُ رتبة ... يلوح سناها فوق نسر وفرقد

فقد كان مصباحاً مضيئاً لذاهبٍ ... به في دياجي الشك للرشد مهتدي

وقد كان مفتاحاً لك مغلَّقٍ ... فيفتح من أبوابه كل موصد

به بهرت في الفقه أقوال مالك ... وصارت به الأعلام في الفهم تقتدي

ومن لدروس العلم من بعد عالم ... يحلُّ من الأبحاث كل معقَّدِ

فواها لأصحاب الدروس تطلعت ... مراتعهم عن طيب مرعى ومورد

تآليفه في كل علم مفيدةٌ ... بتحرير أبحاث وفهمٍ مسدَّدِ

فمن قال إنَّ الدهر يأتي بمثله ... فقدْ جاءَ زوراً بالمقال المفنَّد

وما كنت أدري قبل ما حلَّ في الثرى ... بأن الثرى يحوي محاسن فرقد

فراح شهيداً يرتجي عفو ربه ... وما راح منا بالثناء المخلَّد

فطوبى لرمس ضم أعظمهُ التي ... سقتها شآبيب الغمام المسرمد

فأكرمْ به رمساً لقد حاز رفعةً ... لمقبرة فازت بفضل مشيّد

وأمسى لرمس المهد مجاوراً ... يضيء بنور مشرق متوقد

فيا ربنا أجزل قراه وجازه ... بعفوك والغفرانِ والحلم في غد

وحقق بفضل منك قول مؤرخ ... (ففي نزلِ الفردوس نزلُ محمَّدِ)

[٣٥]

[الشيخ محمد البنا]

هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد البنا أخذ والده العلم عن الشيخ صالح الكواش ومن عاصره، وتقدم للإشهاد فكان من ثقات العدول وولي شهادة الغابة فحسن فيها سيره إلى أن توقي في رجب الأصب سنة ١٢٥١ إحدى وخمسين ومائتين وألف.

وأما ولده صاحب الترجمة فقد جد في خدمة العلم الشريف فقرأ على فحول الرجال منهم أبو محمد حسن الشريف، والشيخ الطاهر بن مسعود، والشيخ إبراهيم الرياحي، والشيخ محمد السنوسي أحمد الأبي وغيرهم وتضلع بعلوم الشريعة وتصدى الإقراء بجامع الزيتونة فأخذ عنه كثيرون وأكثر ولوعه بالفقه وقد أقرأ منه كثيراً.

وتقدم لخطة قضاء باردو ومشيخة مدرسة النخلة عند وفاة شيخه المولى الجد قدس الله روحه أوائل شهر رمضان المعظم سنة ١٢٥٥ خمس وخمسين ومائتين وألف، فقام بخطتها وواظب على الحكم بباردو يخرج في بعض الأحيان راجلاً من تونس إلى باردو شأن أخلاق الصالحين وتقدم مدرساً في الرتبة الأولى عند وضع الترتيب الأحمدي أواخر شهر رمضان سنة ثمان وخمسين.

ولما استعفى من قضاء الحاضرة الشيخ محمد بن سلامة قدمه المشير أحمد باشا باي بالحاضرة عوضه يوم الثلاثاء التاسع عشر من المحرم سنة ١٢٦١ إحدى وستين ومائتين وألف، فكان من قضاة العدل وأنصف وتحرى لدينه وحمد في ذلك سعيه.

<<  <   >  >>