وبعد فإن خير ما يتزين به اللبيب، ويتزر به كل ذي عقل مصيب، بذل العلوم النافعة، والمعارف الرافعة، إذ بها تحصل السعادة الكاملة، والرحمات الشاملة، هذا وإن ممن سعى في تحصيل المراتب الرفيعة، والفنون الوسيعه هو الجهبذ الفاضل، والحجة المناضل، النحرير الأكمل، والعمدة الأجمل أبو عبد الله محمد ابن السيد عثمان السنوسي طلب مني أن أجيزه في إقراء المختصر الجليل، المنسوب للشيخ خليل، رحمه الله تعالى ظناً منه أني من أهل هذا الشأن وفرسان هذا الميدان، وإني والله لست أهلاً لذلك، ولا ممن يسلك بهاتيك المسالك، لكن أجبته راجياً من الله تعالى أن يفيض علينا من أنواره الزاهرة، وأسراره السنية الفاخرة، وأن يمدنا بالمدد الرباني والفيض الصمداني، فأقول: إني أجزته في إقراء المختصر المذكور كما أجازني أشياخي رحمهم الله تعالى وقدس أسرارهم بشرطه قال ذلك أفقر الورى، خادم نعال الفقرأن عبد الصمد بن محمد بن عبد القادر بوراي المفتي بسوسة أخذ الله بيده آمين وكتب في صفر الخير سنة ١٢٩٢ اثنتين وتسعين ومائتين وألف.
[الإجازة الثالثة]
إجازة الفقيه الورع المحدث النقادة المتفنن الشيخ صالح الجودي قاضي مدينة القيروان وهذا نصها: نحمدك يا من أجاز قاصده من سلسبيل آلائه، وجعل سندنا إليه خاتم رسله وسيد أنبيائه، ونصلي ونسلم على من نوعت له تلقي وحيك على أنواع، فمنها ما كان بغير واسطة وخصصته مع الرواية بالسماع، ومنها ما كان بواسطة روح القدس الأمين، عن اللوح عن القلم عن مكنون علمك المقدس المتين، وعلى آله الذين تركتهم بعده للتمسك بهم وبكتابك أماناً من الضلال، وجعلت مودتهم كفيلة من أهوال يوم الرجف والزلزال، وعلى أصحابه الذين حملوا إلينا منه شرعك المتين، وحموه من التحريف حتى بلغوه باللفظ الذي تلقوه منه على المنهج الواضح المستبين، وعلى حماته أعلام الأمة الذين سلكوا مسلكهم في الرواية، حتى تلقينا بمسلسل أسانيدهم على أتنم ضبط للغاية.
وبعد فإن العلم من الشرف بمكان، شهرته تغن عن الشرح والبيان، وإن درست ربوعه، وانقرضت آحاده وجموعه، وسحبت على أبوابه عناكب الخمول، وأذنت شمسه بعد إشراقها على جميع الآفاق بالأفول قد قيض الله له طائفة من أهل هذا العصر، شمروا في دروسه على ما كانت في سالف الدهر، وكابدوا فيه مكابدة من سلف حتى حصلوا على فك خفايا رموزه، وإصابة خفايا كنوزه، فكانوا من خير الخلف، وكان ممن انتظم في سلك أولئك الأكياس، الناهلين من أصفى موارده من أكبر كاس، أخونا في الله الذكي الألمعي، الزكي المسيدعي، الممتطي بجيد قريحته صهوات جماع المعاني، والمذلل براسخ ملكته أوابد رموز المباني، وإن نثر شف بدرر منثوره الأسماع، وإن نظم حرك سحر بيانه سليم الطباع، الودود الصافي، ذو العهد الوثيق الوافي، الشيخ السيد أبو عبد الله محمد السنوسي ابن العدل الفاضل الشيخ أبي عمرو السيد عثمان السنوسي ابن المنعم الفاضل سليل الأفاضل الشيخ أبي عبد الله السيد محمد ابن الشيخ الكبير، والعالم الشهير الثبت الحجة النحرير، من أشرقت أرجاء قطره بنور عدله، واتفق الثقات على كمال فضله، وأحيا من محررات الأحكام ما تنوسي، المرحوم المقدسي قاضي الجماعة المالكية الشيخ أبو عبد الله سيدي محمد السنوسي، وقد التمس مني حين قدم لمدينتنا من الحاضرة المحروسة، واجتمعت معه في أوقات مأنوسة، أن أجيزه الإجازة التي جرت بها العادة لتحصيل الاتصال، المحصل لعود بركة مشايخ سلسلتها على مستقيمها في الحال والمآل، وحمله على ذلك حسن الظن الذي هو وصف أهل التقوى والإيمان، وإلا فما أنا من فرسان هذا الشأن، وأين للهزيل الضليع، أن يدرك شأو القوي السريع، لكنني لما رأيت قوة رغبته وأنه لا يقبل لي عذراً في التخلف عن طلبه، أجبته بعد الاستخارة لما أراد رجاء أن أرى أثر بركة دعائه يوم التناد فأقول وبالله أستعين، وما توفيقي إلا بالله القوي المتين: