ليس الغريب بأنسه في غربة ... بل منْ برؤية وجهه لم يظفر
حيا معاهدَ أنسه برقُ الحيا ... وسقى "سلا" صوبُ الأغرِّ الممطر
بلدٌ به سطعت لوامعُ نوره ... فغذا بوجهٍ ضاحكٍ مستبشر
لازال منه الغربُ مشرق شمسه ... و"سلا" به أبهى وأبهج منظر
وعليه من محض الوداد تحية ... أذكى من المسكِ الفتيقِ وعنبر
ما قال ذو وجدٍ بحبك داعياً ... روحي فداك من الملمِّ المعتري
ومن متعلقات تعلق أعيان المغرب به وحسن العلاقة التي ثبتت له معهم بسبب تلك السفارة المسفرة عن غرر آدابه أنه في أوائل سنة إحدى وأربعين قدم الشيخ محمد العربي الدمناتي أحد كتبة الإنشاء بحاضرة فاس إلى حاضرة تونس مجتازاً لحج بيت الله الحرام غير أنه لم يلاق مراده من الشيخ ابراهيم الرياحي بتونس، ولذلك كتب إليه مكتوب عتاب بناه على سبعة أسباب وهذا نصه: [الطويل]
ولما أبيتمْ أن تزوروا وقلتمُ ... ضعفاً فلم نقدرْ على الوخدان
أتيناكمُ من بعد أرض نزوركم ... وكمْ منزلٍ بكر لنا وعوان
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان؟
السيد الذي لساني مرتهن حمده، وجفاني مستودع وده، سيدي ابراهيم الرياحي. بعد إهداء السلام، وأداء ما يجب لكم من الإعظام، فأقسم بمن فضلك على أبناء جنسك، وجعل يومك في الفضل مربئاً على أمسك؛ ما من يوم إلا ولي فيه لعلاك ذكر، وحمد وشكر، وهم بلقائك وفكر، لما شرفت به من خلالكم، وبديع كمالكم، وكنت أبقاك الله لاغتباطي بولائك، وسروري بلقائك، أود أن أطوي لك المرحلة، وأجدد العهد بملاقاتك المؤلمة. ولم يكن همي مع فراغ البال، وإسعاف الآمال، ومساعدة الأيام والليال، إذا الشمل جميع، والزمن كله ربيع، والدهر مطيع سميع، إلا زيارتكم وأن ارى الأفق الذي طلعت فيه أنجم الهداية، وكانت إليه العودة ومنه البداية. فلما حم الواقع وحسنت منه المواقع، حجبتم بروقكم، ومنعتم عنه صبوح٠كم وغبوقكم.
[الوافر]
يريد المرء أن يؤتى مناه ... ويأبى الله إلا ما يشاء
وقد كنت على البعد ظمآناً لهذه الموارد، فها أنا الآن في جواركم رائد. فكيف انصرف انصراف الظمآن شارف العذب الزلال فلم يشرب، أو المحب نوى ساعة اللقاء فما أبان ولا أعرب. وقد كنت زمن تجميعي وإياكم الحضرة السلطانية على معرفتك متهالكاً، ونهج الإخاء سالكاً، لما يلوح على محياك من سيماء المجد والحيا، والشيم الدالة على العليا، والمحبة رعاكم الله لاتتوقف على طول مشاهدة طرف، ولا مباشرة حسن ولا ظرف. وفضلكم يأبى أن يقابل هذه الحجة بصرف، أو يعبد من إنكارها على حرف، وهي وإن كانت دعوى فلها إسناد، إلى قوله "الأرواح أجناد". وطالما قبض محبكم العنان، وزجر البنان، وأمل اللقاء وحوم، وعرج على طالب الصبر ويمم، ولم يجد إلا الصعيد فتيمم، فأصدرت هذه نمتوسلة بوسيلة الحب الصحيح، والتعريض إلى التصريح، قائلة: زيارة سيدي الشيخ ابقاه الله محط الآمال وقبلة الوجوه. وبلغه ما يؤمله من فضله ويرجوه تجب من وجوه.
أولهما: أنك شيخ البلد، ومفتي الفئة التي أنست ببرورها الأهل والولد.
[الطويل]
ولا عيبَ فيهم غيرَ أن ضيوفهم ... تلام بنسيان الأحبة والوطن
ثانيهما: كوني ضيفاً، وممن لا يعد عند الاختيار زيفاً، ولا تجر مؤانسته حيفاً، فضلاً عن أن تشرع رمحاً أو تسل سيفاً.
ثالثهما: رعاية الرحم بالصلة، التي هي لكل خير موصلة، وقاعدة الفضل قد قررها الحق وأصلها، والرحم كما علمتم تدعو لمن واصلها.
رابعها: أن الاهتزاز للضيف يقتضيه القدر السمي، والخلق العلمي. وفضل متواتر نقله، عمن رضي دينه وعقله.
خامسها: أن اسمك الأسمى يقتضي الإكرام، ووصفك كفيل بنيل المرام.
سادسها: البدء في هذا الغرض، وإن كانت الواو لا ترتب إلا بالعرض، هو المشاركة في محبة المولى المرحوم، فلقد كنت منه كالولد البار، كما كان له بكم غاية الاحتفال والاعتبار.