سابعها: أن شأني ظريف، ومزاري خفيف، لا خبر ولا سديف، ولا عسل ولا رغيف، ولا قهر ولا صليف، إنما هو أنس يبذل، ونفسي في التقابض تعدل، ومذاكرة تهز دوحها، وتنشق روحها، أما القرى فقد كفى سيدنا الشيخ مؤونته الثقيلة، ولم يحوج لتشويش العقل واستخدام الفعيلة، فليت شعري ما الذي عارض هذه الأصول، ومنع السيد من الوصول، وما دليله في المحصول، اللهم إلا أن يقول عمل أهل المدينة ينافيها، فهذا ربما يقنع النفس ولا يكفيها، على أن جل البلد منحسم الأمل، لا يرى مذهب العمل، أو يقول إني مشغول، وفي حبالة المطالعة موغول، قلنا فهلا جعلنا مولانا من جملة أشغاله، ومنح العبيد بنزر من نواله، وهلا إذ لم يتفضل سيدنا بالقدوم، أذن لنا في زيارة مقامه المخدوم، ولم يعتمد عذراً يقتضيه الكرم، والمنصب المحترم، فلن تزل رعاك الله الأفاضل إلى التماس البر ذات اشتياق، والعرف بين الله والناس باق، والغيرة على المنصب مفروضة، والأعمال معروضة، والله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة. وكثيراً ما كنت أسأل عن زيارتكم لظنا فأجمل المفسر، وألم وغذا بناديهم حللت فإنهم=خرسٌ شقاقهم وإن لم تزأرِ
لله تونسك التي بوأتها ... كم أحرزت بعلاكمُ من مفخر
مني عليك تحيةٌ نفاحاتها ... تربي على مسكٍ يفوح وعنبر
ما غرَّدتْ قمريةٌ في دوحةٍ ... وبدا سنا ذاك الجبينِ الأزهر
وتلا محبُّكمُ المخلُ بحقكمْ ... اسمكعْ أبا اسحق قولي واعذرِ
فأجابه الشيخ ابراهيم الرياحي عن ذلك بقوله: [الكامل]
روحي فداك من الملمِّ المعتري ... ولوَ أنه يبتاع كنتُ المشتري
وأنا الذي بتخلُّفي أصبحتُ في ... ندم فيا ويلاه إن لم تغفر
يا خير من حسد العقودُ قريضه ... فتناثرت منها "صحاح الجوهر"
وأجلّ من ذان القريضُ لطبعه ... وبنثره سحرَ النهي إن ينثر
وأرق من ساري النسيم إذا انبرى ... لطفاً وأسوغ من زلال الكوثر
أعني الهمام ابنَ الفقيه محمَّداً ... شيخَ الهداة وقدوةَ المستبصر
ومن العلومُ بنقده وذكائه ... تزهو على الحور الحسان وتزدري
الدرسُ لا يهوى سوى تقريره ... وسواه لا تهوى مراقي المنبر
وإذا لثام الجهل غطَّى مشكلاً ... كشف اللثامَ عن الجبينِ المسفر
ببراعةٍ من دون نيل أقلّها ... حرب البسوس وهول يوم المحشر
يا عاذلي في حبه أقصر فما ... أنا عن هواه المستلذ بمقصر
ما كنت فيه مقلداً غير الهوى ... فأطل ملامك بعد ذا أو قصر
إن كنت تسمع ما سمعت فإنني ... من حسنه أبصرت ما لم تبصر
تسليك منه فكاهة فكأنها ... راح براحة أغيد متبختر
ليس الغريب بأنسه في غربة ... بل من برؤية وجهه لم يظفر
حيا معاهد أنسه برق الحيا ... وسقى "سلا"سوب الأغر الممطر
بلد به سطعت لوامع نوره ... فغدا بوجه ضاحك مستبشر
لا زال منه الغرب مشرق شمسه ... و"سلا" به أبهى وأبهج منظر
وعليه من محض الوداد تحية ... أذكى من المسك الفتيق وعنبر
ما قال ذو وجد بحبك داعياً ... روحي فداك من الملم المعتري
ومن متعلقات تعلق أعيان المغرب به وحسن العلاقة التي ثبتت له معهم بسبب تلك السفارة المسفرة عن غرر آدابه أنه في أول سنة إحدى وأربعين قدم الشيخ محمد عربي الدمناتيأحد كتبة الإنشاء بحاضرة فاس إلى حاضرة تونس مجتازاً لحج بيت الله الحرام غير أنه لم يلاق مراده من الشيخ إبراهيم الرياحي بتونس ولذلك كتب إليه مكتوب عتاب بناه على سبعة أسباب وهذا نصه: [الطويل]
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فلم نقدر على الوخدان
أتيناكم من بُعد أرض نزوركم ... وكم منزل بكر لنا وعوان
نسألكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان؟