للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما أحدث الأمير حسين باشا المدرسة التي أقامها عند تربته انتخبه لمشيختها فهو أول شيوخ المدرسة الحسينية تقدم إليها سنة ١١٢٠ عشرين ومائة وألف وبإثر ذلك قدمه الأمير لخطة الفتيا لما رأى فيه من الصيانة والديانة وكان حسن المحاضرة كريم الأخلاق لطيف المداعبة في خلواته زكي النفس ثبتاً رحمة الله عليه.

?٢٠

[الشيخ حمودة الرصاع]

هو الشيخ أبو محمد حمود بن محمد بن قاسم بن أحمد حفيد الشيخ أحمد بن عبد الله الرصاع الأنصاري الأندلسي. ارتحل جده أبو العباس أحمد بن عبد الله الرصاع في زمن شبيبته إلى المغرب واجتمع أبي العباس العوفي اللخمي وسمع كثيراً من كتاب سيبويه عن ابن رفيع القرشي واجتمع بمالك بن المرحل وسمع عنه كثيراً من شعره وكان فقيهاً صالحاً أديباً فاضلاً.

ولم يزل الفضل في بيته وبيت أخيه إلى أن نشأ بينهم صاحب الترجمة وقد ولد سنة ١٠٨٨ ثمان وثمانين وألف، ونشأ في شرف بيته بين يدي والده وجده وتصدى لقراءة العلم الشريف فأخذ عن فحول منهم الشيخ سعيد الشريف الطرابلسي والشيخ علي الغماد والشيخ محمد الحجيج الأندلسي والشيخ محمد الغماري والشيخ محمد فتاتة والشيخ عبد القادر الجبالي. وتعاطى التوثيق وجلس للتدريس، وتقدم للنيابة في خطة القضاء بالحاضرة عند تخلي جده على عهد المقدس حسين باي، فتلقاه الزعيم ونهض بها من أول يوم بغاية الفطانة والخبرة والمعرفة بأساليب القضاء بحيث إنه دخل المحكمة الشرعية أول يوم دخولاً عجيباً وصرف الداء الخصام أحسن صرف ومع ذلك كانت دروسه بجامع الزيتونة عند باب الشفا يهرع إليها وأقام على ذلك مدة طويلة.

ثم إن الأمير المذكور تخيره لنفسه واختصه لرواية الحديث بين يديه بالليل في مسجد باردو وقدمه لخطة الفتيا وأولاه مشيخة مدرسته الكبرى ولم تزل دروسه مناخاً لرحال الطالبين وفتاويه العذبة غاية آمال المستفتين وكان طلق اللسان في الجنان له قدرة على استخراج النكت الغريبة بارع في علم الأحكام قاطع للنزاع حسن الملاقاة، خفيف شعر العارضين، أبيض اللون ربعة إلى القصر أقرب، وتقدم لرئاسة على عهد الباشا علي باي وعلى عهده توفي عليه رحمة الله وقد كان الشيخ علي الغراب طلب منه كتب فتوى فأرسل له بقوله أحسن في التورية.

[الكامل]

يا منْ رقى بكماله درجَ العلا ... وتشنفتْ بثناءه الأسماع

حتى غدا فوق الأثير محلُّه ... كل المعالي دونه أوضاع

وغدا القريض مطاوعي في مدحه ... مهما أردت وتطبعُ الأسجاع

هو من غدا حاوٍ لكل فضيلة ... ولذا عليه انطوى الإجماع

إن الأفاضل في الفضائل كلّها ... بك مقتدون وكلهم أتباع

فالعبد يبغي القرب منك لبعده ... ولأنه من دهره مرتاع

ورأى بروق الوعد منكم لم تزل ... تدني له غيث الرجا أطماع

فاسمح بذاك الوعد لا زالت لك الأ ... يّام طائعة وأنت مطاع

يا من يرصّع من جواهر لفظه ... درّاً نفيساً بالنفوس يباع

قصدي إلى ترصيع عقد جواهر ... من نظم فيك لأنك الرصاع

[٢١]

[الشيخ محمد سعادة]

هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمر سعادة المنستيري ولد سنة ١٠٨٨ ثمان وثمانين وألف، وقدم إلى تونس في طلب العلم فقرأ على الشيخ محمد الحجيج الأندلسي والشيخ محمد فتاتة والشيخ محمد الغماري ثم ظعن إلى المشرق في طلب العلم فقرأ بمصر على الشيخ إبراهيم الفيومي والشيخ منصور المنوفي وأخذ الحديث عن الشيخ الطالوني.

وارتحل إلى بلاد الروم ودخل إلى إسلامبول واجتمع بجلة علمائها.

ورجع إلى الحاضرة بعد أن حصل على العلوم وبيده إجازات من كافة مشايخه فجلس للإقراء وأخذ عنه كثيرون وأجرى عليهم المقدس حسين باشا جارية التدريس بجامع الزيتونة، وأقرأ به علوماً كثيرة ثم قدمه الأمير لمشيخة المدرسة المنتصرية فأقرأ بها وهو فصيح ولوع بالإقراء محرر، وكان حسن القامة جميل الصورة لطيف المحاضرة كتب حاشية على شرح الأشموني سماها تقرير المسالك من شرح منهج السالك إلى ألفية ابن مالك وكتب إلى الشيخ الصغير داود يسأله بقوله: [مخلع البسيط]

إليك قطبَ النُّهى سؤالٌ ... نحاكَ شخص به وأمَّمْ

فأنت كشاف مشكلاتٍ ... وأنت في عصرنا المقدَّمْ

<<  <   >  >>