أما وصلته مع العارف بالله العالم المربي الشيخ مصطفى بن عزوز النفطي أستاذ الطريقة الرحمانية، رضى الله عنه فكان يتجاذب معه أطراف الأسرار الربانية، وله فيه مدائح شعرية، ومكاتيب نثرية، وقفت على بعضها، وهي تدل على كمال تعلقه بأهل الله في كل ما يرجوه، وغنما يعرف الفضل من الناس ذووه، ومن لطائفها أبيات جعلها في طالعة جواب له مؤرخ بسنة خمس وستين ومائتين وألف وهي قوله:[الكامل]
جاء الكتاب من الحبيب مبشرَّاً ... بقدومه يا مرحباً يا مرحيا
قد رد لي عهدَ المسرة مثل ما ... بقميص يوسفَ ردَّ ما قد أذهبا
أهدي إليك تحيةً مسكيةً ... يا مصطفى يا منتقى يا مجتبى
مستودعاً منك الدعاء وأنت في ... حالٍ تراها للإجابة أقربا
ورأيت من مكاتبتهما كتاباً سرباً بخط الشيخ إبراهيم الرياحي يخاطب به الشيخ المذكور آثرت إثباته لما فيه من الإلماع بحال كل منهما وهذا نصه: الحمد لله والصلاة على من صلى عليه الرحمن.
يا ليت سيدنا وحبيب الله ورسوله صرح لنا بما أشار به إلينا مرتين من قرب الأجل، المرة الأولى ونحن معك على البنك في محل الحكم والصلاة في دريبتنا من قولك لي: رأيتك كأنك مت ولم توجد وأن روحك كالذبابة، والمرة الثانية ما ذكرت لنا في جوابك المبرور من قولك: إن الجنة مشتاقة إليك، ولولا ما خفت أن يعثر على جوابي غيرك لكتبت لك كلاماً آخر فيا ليت سيدنا رضى اله عنك رحمتني بالتصريح بما تريد أن تصرح لي به، فلعل في ذلك تحريضاً على ترك المهلة، وبعثاً على التشمير لدار النقلة، أو غير ذلك مما يوجب الإعراض عن الفانية، والإقبال على الباقية، فإن المواعظ والنصائح إذا خرجت من أهلها كانت كالسهام لا تخطئ، هذا وما بشرتنا به من الحشر مع أولئك السادات أسأل الله أن لا يخيبنا ولا يدر كرمك فينا وإلا فالعبد الذليل لا تحدثه نفسه بما هو أدنى من ذلك، فضلاً عن الكون مع أولئك، بل الإنسان على نفسه بصيرة، وليست لنا طماعية في ذلك الشأن، إنما لنا طماعية في الغفران.
وإذا كان خليل الرحمن يقول:"والذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" فأين جاء طمع مثلي، فإنا لله وغنما غليه راجعون، نعم سيدي وقد غمني غماً عظيماً إرسالك لي السبولة العطرية.
وقد كنت أخبرتك بأن التعويض عما أرسلت إليك من الأمور المكروهة غاية عندي حتى أستعزت من ذلك، وقصدت بذلك أن لا تهتم معي في مثل ذلك، فخالفتني في التعويض وإن وافقتني في تفضلك علي بالدعاء جزاك الله جزاء المحسنين، هذا ومما يغمني أيضاً ويثقل علي وصفك لي بأوصاف حميدة أكثرها ما في عبدك إلا ضدها، فلو إنك إذا خاطبتني خاطبتني بما يناسب حالي لسررت بذلك، ولكنك رأيت كمالك في عبدك فنسبت ذلك إليه، كما إذا ارتسمت صورة جميلة في صفحة مرآة فلما رأى المرآة إنسان طهر له جمال المرآة وإنما الجمال للصورة التي انتقشت في المرآة، نعم سيدي ولا تنسني من دعائك، في وقت هجوم حالك، وطيب أجتناء الشهد من خمر وصالك، وسلم لنا على أولادك وتلامذتك وعامة المنتمين إلى شريف خدمتك وطريقك.
من الودود ومن أولادنا الطيب وعلي وسائر من هو منا وإلينا، والحمد لله رب العالمين، من الفقير إلى ربه، المشفق من سوء كسبه، إبراهيم بن عبد القادر الرياحي".