ثم أن الأمير علي باي لما عزل الصفوة العالم الفاضل الشيخ عبد الكبير الشريف من إمامة جامع أبي محمد الحفصي قدمه لها أوائل جمادى الأولى سنة ١١٨٧ سبع وثمانين ومائة وألف فزان المنبر والمحراب وخطب الخطب البديعة وهو في أثناء ذلك كله يبث العلم في صدور الرجال إلى أن توفي الشيخ الدرناوي فقدمه الأمير حمودة باشا لخطة الفتيا وأعطى أخاه مشيخة مدرسة بئر الحجار أواسط رجب الأصب سنة ١١٩٩ تسع وتسعين ومائة وألف فامتنع من ذلك معتذراً بأنه لا يمكن له أن يتقدم على أخيه وشيخه محمد سويسي حيث كان قاضياً، والأمير لم يسمح بنقلته من الخطة المذكورة بخلاً به لعلمه ودينه وعند ذلك ألزمه الأمير التقدم للفتيا وآذانه أن يتأخر عن أخيه فتقدم إلى خطة الإفتاء وباشرها بالعلم والعمل والتواضع وأخلاق الصالحين والقناعة.
ولما توفي أخوه ولي عوضه مشيخة مدرسة بئر الحجار وزانها بدروسه الفائقة، وتحريراته الرائقة، إلى أن أتاه أجله فتوفي في ذي القعدة سنة ١٢٣٢ اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، ودفن بتربتهم في أعلى جبل الفتح من الزلاج عليه رحمة الله وخلفه في إمامة الجامع الحفصي ورواية مسجد الحفصي ولده الأكبر الشيخ عثمان سويسي، ورثاه العالم الشاعر الشيخ أحمد الكيلاني بقوله:
للمرء ما عاش في دنياه وجدانُ ... وعادة الدهر أفراح وأحزانُ
فقل لمن يبتغي الدنيا وزخرفها ... هيهات هيهات جفن الموت يقظان
قدم لنفسك ما ينجيك يوم غدٍ ... وكابد النصح لا يغررك سلوان
وكن كصاحب هذا القبر مجتهداً ... في طاعة السّرِّ لم يصحبك خذلان
أعني سويسي أبا العباس أحمد من ... سارت بتحقيقه في العلم ركبان
شيخ جليلٌ خطيب واعظ وله ... في منهج الرشد تحرير وإتقان
قد كان يفتي ولم يحفظْ له خلل ... وكم له لاتباع الحق إذعان
ناشدتك الله قبراً هل سموت بمن ... صنيعه في دجى الأسحار قرآن
وهل ظفرت بجسم راق منظره ... وطاب من نشره روح وريحان
يا زائراً رمسه بمرحمة ... يرجى له فيه عند الله غفران
وقل أتاك مسن العمر في خجل ... وقصده منكم برّ ورضوان
فاجزلْ قراه بما يرجو مؤرخه ... (نجل التقى ناله عفو وغفران)
١٢٣٢
[٢٨]
[الشيخ حسن الشريف]
تقدم استيفاء ترجمته في الأيمة في الأيمة وقد ولي الفتيا وأقام مفتياً دائماً بعد وفاة الشيخ أحمد سويسي سنتين زان فيهما الخطة إلى أن توفي عليه رحمة الله.
[٢٩]
[الشيخ محمد المحجوب]
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن قاسم ابن الحاج الشريف، ثالث آبائه الكرام في الخطة الشرعية قرأ على فحول العلماء أكثر قراءته على والده. الشيخ محمد المحجوب وعمه الشيخ عمر المحجوب.
وشارك في المعقول والمنقول مشاركة ما وجلس للإشهاد مدة ثم تقدم لخطة الإفتاء يوم الجمعة الحادي عشر من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف فباشر الخطة مع المحافظة على شرفها وهو مدل بعلم والده مع ماله من حسن التصرف والسكينة والوقار وكرم الجار بحيث لم يحفظ عنه خطأ مدة ولايته كلها.
ولما توفي والده تقدم عليه الشيخ إسماعيل التميمي لخطة الرئاسة ثم بعده تقدم عليه الشيخ إبراهيم الرياحي ثم تقدم عليه الشيخ محمد بن سلامة مفتياً ثانياً مع الشيخ إبراهيم.
وبقي صاحب الترجمة مفتياً ثالثاً محترماً ملازماً للمحافظة على همته والخطبة بجامع الزيتونة الكائن خارج باب البحر غير أنه عزل من ذلك في آخر أمره.
وقد امتحن بفقد ولده الشيح أحمد المحجوب وكان من أعيان كتاب الدولة فتوفي في الخامس من ذي القعدة الحرام سنة ١٢٦٠ ستين مائتين وألف وصبر والده لفقده واحتسب مصيبته. ولم يزل على احترامه واعتباره إلى أن أدركه الأجل المحتوم فتوفي يوم السبت خامس ذي الحجة الحرام سنة ١٢٦٣ ثلاث وستين ومائتين وألف، ودفن بتربتهم في الزلاج عليه رحمة الله ورثاه أحد شعراء العصر بقوله: [الطويل]
ألا فانظروا من صار بين الجنادلِ ... لقد كان في دنياه صدر الأماثلِ
وأصبح تحت الأرض من كان فوقها ... وما كان إلا زينةً للمحافل
هو الألمعي فخر الزمان محمد ... سليلُ جدودٍ من كرامٍ أفاضل