أما رسالته الفقهية في منع النساء من الخروج إلى الحمام وجواز التيمم لهن فقد نسج فيها على منوال غريب من أبدع الأساليب، وحرر فيها من نصوص الأمهات ما بلغ في تحقيق المسألة إلى أبدع الغايات، وقد أنهاها في ذي الحجة سنة ٤٧ سبع وأربعين وقد وقفت على مسودتها بخطه المبارك مفتتحة بقوله أحمد الله حق حمده وأشكره وفاءً بعهده وأصلي وأسلم على رسوله وعبده وعلى آله وأصحابه فرائد عقده إلخ. وكفاها شهادة القاضي إسماعيل بأنه لو كتب في المسألة ما زاد على ما تضمنته هاته الرسالة، ووقفت له أيضاً على رسالة في إثبات البسملة في أول الفاتحة في الصلاة حررها سنة خمس وستين.
ووقفت له على أوائل رسالة حكمية انتصب فيها للحكم بين العلامة الشيخ محمد بن سعيد النجم التونسي والشيخ ابن عمار الشريف في الاختلاف بينهما في العقل هل هو جوهر أم عرض وكثرت بينهما المكاتبات في ذلك ولما وقف على مختار كل حرر في المسالة تحريراً حكمياً في رسالته المذكورة.
أما أختامه التي حررها وبالبدائع حبرها فقد وقفت منها على ختم كتب فيه على حديث سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وقد حرر فيها مباحث من علمي الكلام والبلاغة يعز على سواه تحريرها.
وقد ختم بالتدريس كثيراً من مهمات المعقول والمنقول، تخرج بها عدة من الجهابذة الفحول، وشاع له بذلك صيت عظيم.
ولما ختم منها مختصر السعد البياني، تسابق في حلبة درسه كثير من فرسان البلاغة والمعاني، فأنشدوا بين يديه قصائد مديحهم البليغ، فكانت عدة قصائد في هذا الغرض، نوشح ترجمته بما حضرنا منها.
[القصيدة الأولى]
من إنشاء الوزير العالم لسان الدولة الشيخ محمد العزيز بوعتور وهي قوله: [الطويل]
طريق لنيل العز حرز المطالبِ ... وغور لأسنى القصد صدر المراتبِ
وشمُّ نفوسٍ للمعالي مآثرٌ ... وحوز خصال من تمام المتاعب
ولو كان إحراز الفضائل هيناً ... لساد بمحض القول من لم يضارب
وشيئان في الأذهان حسم اجتماعها ... طريد اجتهاد واختيار الملاعب
فلا وأبي لا يبلع المجدَ عاجزٌ ... يعلل نفساً بالأماني الكواذب
ولكنَّما ذو العزم من ساد قرنه ... لشأو العلا دون اقتناء الصواحب
وحزمه لا تلوي الحوادث قصدهُ ... فإما لحتف أو لنيل المناصب
وليس مثار الحزم إلاّ عزائم ... تريه كميناً من عزاز المواهب
إذا كانت السَّادات تصبو لرفعة ... فإني ملكت المجد جد الرغائب
وإني لمقدامٌ وغيريَ جازع ... وإني لقوال بأي المواكب
نشرنا على متن السِّماك مراتباً ... تؤم لها الركبان من كل جانب
ويا ربَّ ليلٍ يثبر الصلد حزنه ... أضاء الدياجي من يراع وقاضب
وربّ عويصٍ قد أزلنا لثامه ... له الناس فوضى بين راد وذاهب
لقد كنت قدماً بالأوابد مولعاً ... وأين من العلياء طول الشَّناخب
فخارُ بني الدنيا رحيب الجوانب ... وعز سراة المجد شُّم النجائب
أبو المجد مهطال العلوم محمد ... وهل ينكر الإنسان فضل السحائب
جوادٌ همامٌ باهر العز والسَّنا ... له الشرف الأقصى لهام الكواكب
إمام حباه الله بالفضل حلّةً ... تهب بها الأرياح قبل الركائب
منيف على شأوِ الثريا إذا رنا ... أزال المحمَّى من عويص السباسب
يجل حياءً ثم يعظمٌ هيبةً ... جليل مضاء غير وكل وهائب
إذا افترَّ علماً فالرّقابُ خواضع ... وإن جال فالأذهان رهن الرغائب
مليك سناً يعتاده من معاشرٍ ... تخرُّ لها الأذقان فوق الترائب
عفافٌ كرام للرسول نجارهم ... وهم سادة الإحسان غرّ الأطائب
كأنَّ سناء الشمس من نور وجهه ... صفائح تبر أشرعت بالمغارب
كأن الثريا نظمت من بيانه ... سلاسل درّ أشرقت بالمواكب
كأن مهبّ الشرق من فرط لطفه ... أوان شروق السعد بين الثواقب
تجلّى ويالله كالدوح رافلاً ... مطارفه الحسنى بخضرة شارب
تحاريرُ أقوال وللروض جدولٌ ... سراعاً بمزج الكاس رشف المشارب
لها الدر جسماً واللجين نطاقه ... وزهر الروابي من نصيب السواكب