ووليها أخوه الشيخ علي النفاتي، وعزل، وأعيد فلازم الإفتاء إلى أن توفي سنة ١٠١٦ ستين وألف، وفي خلال تلك العزلات ولي الفتيا العلامة الإمام الموثق الشيخ عبد الله ناجي، ولم أجد لهذا المفتي ذكراً إلا في رسوم أحباس صاحب الخيرات محمد باي المراد حيث كانت أغلب أملاكه في ذلك الوقت بشهادة الشيخ المفتي المذكور ومنها رسم شراية الفندق الذي اشتراه بالعزافين من تونس بتاريخ ذي القعدة سنة خمس وخمسين وألف بشهادة المفتي المذكور والشيخ محمد السخاوي ثم جعله مارستاناً وأوقف عليه نحو الثلاثين قطعة بين ربع وعقار واختصه لمداواة المرضى وإطعامهم وكسوتهم وفرشهم ودفن موتاهم في أواسط ربيع الأول سنة ١٠٧٣ ثلاث وسبعين وألف بشهادة المفتي المذكور والشيخ محمد المحرزي ولم نقف له على تاريخ ولاية ولا تاريخ وفاة ثم إن أمراء بني مراد زادوا مفتياً بمذهب مالك وجرى العمل بالمفتيين سنين متطاولة إلى دولة الأمير علي باي الحسيني فزاد مفتياً ثالثاً ثم إن الأمير مصطفى باشا زاد مفتياً رابعاً ولم يزل عددهم في ازدياد إلى أن بلغ عدد المفاتي بالمذهب المالكي إلى ثمانية من الشيوخ كلهم يحضرون المجلس للتوافق على المعتمد في المذهب أو ما به العمل في النازلة والقاضي يقضي بما يقع الاتفاق أو الأغلبية. أما سائر أيام الأسبوع فالآن يحضر مع القاضي في كل يوم واحد من المفاتي للمراجعة. نسأل الله أن يديم عز شريعة الإسلام، بجاه النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
وها نحن نذكر تراجم من ولي هاته الخطة الشرعية بعد النفاتيين على شرطنا السابق فقول وبالله نستعين.
[١٢]
[الشيخ أبو الفضل المسراتي]
هو الشيخ أبو الفضل حفيد خطيب جامع الزيتونة وإمامه الشيخ أحمد بن عمر المسراتي القروي من ببت علم رفيع، أزرت مفاخرة بأزهار الربيع، أسس مجده فحلان توارثا إمامة جامع الزيتونة خطبا على منبره خطباً نثرت على الأسماع بدائع الجواهر المصونة وهما محمد وأحمد أبناء عمر جده الأعلى الوراد إلى الحاضرة من مدينة القيروان فزانا أواسط المائة التاسعة بين جهابذتها الأعيان.
وقد اختص جده أبو العباس صاحب الفضل المحسوس، بالتقدم للصلاة على جنازة الغوث أحمد بن عروس رضي الله عن جميعهم.
وقد ولد صاحب الترجمة بتونس وأخذ العلم عن فحول جامع الزيتونة وأعظمهم اختصاصاً به الشيخ أبو يحيى الرصاع ويذل الجهد في تحصيل العلم إلى أن بلغ فيه إلى درجة عالية فكان مرجعاً في فقه مذهبي مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما يسأل عن المسألة من كلا المذهبين فيقول: إنها في الورقة الفلانية من الكتاب الفلاني.
وتقدم لخطة الإفتاء بمذهب مالك فأفتى مدة ثم تأخر عن الخطة إلى أن ولي الداي أسطا مراد بتونس في الثالث والعشرين من رجب سنة ١٠٤٧ سبع وأربعين وألف فأعاده إلى خطة الإفتاء بعد عزل الأخوين النفاتيين من الفتيا ونيابة القضاء وأولى في نيابة القضاء يومئذ الشيخ أحمد الرصاع. ثم إن الشيخ علي النفاتي خرج لحج بيت الله الحرام وقصد دار الخلافة العثمانية وأتى منها بخط شريف في ولايته خطة الإفتاء وعزل أبي الفضل المسراتي، ولما توفي الشيخ المذكور سنة ستين بعد الألف استعيد صاحب الترجمة إلى الخطة بعد ست سنين فكانت ولايته فيها متكررة وعودة الأخير إليها سنة سبع وستين وألف.
وقد خرج في بعض المرات من عزله إلى حج بيت الله الحرام، وسئل بمصر عن مسألة حار لها علماء المذهب فاستلقى على قفاه وأملى فيها رسالة كتبت من إملائه ولما استقر في آخر أمره على الفتيا تقدم لمشيخة المدرسة العنقية فأفاد بها وصاهر بابنته الشيخ أحمد الشريف إمام مسجد دار الباشا وكان طويل القامة أشيب ضعيف البصر.
وأدركته المنية سنة ١٠٨٥ خمس وثمانين وألف عليه رحمة الله.
[١٣]
[الشيخ محمد فتاتة]
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم فتاتة ولد بتونس ونشأ بين يدي أعلامها فقرأ على الشيخ محمد تاج العارفين والشيخ محمد براو والشيخ أبي الفضل المسراتي.