ويجرُّ أشتات الشوارد فكره ... شبه العتاق تقاد بالأرسان
فإذا ظفرت بغرِّ تحريراته ... فاشدد يديك على فريد جمان
أسفي عليه كما انتفعت بقربه ... ورأيت شخص الفضل رأي عيان
وذهبت عطشاً فالمورد علمه ... ورجعت منه بحالة الرَّيان
فيحق لي فيه التفجع والرِّثا ... جهد المقل وحيرة الولهان
علّي أكون من الحقوق مؤديّا ... بعضاً وهل لي بالوفاء يدان
خطب دهى قلبي فسحَّتْ أدمعي ... يجري لريّ للثَّناء لساني
إن كان في فن البلاغة قاصراً ... باعي ولستُ به من الفرسان
وغدت معاني ما أفوه بنظمه ... أولى ففيه من حلاه ثواني؟
جازاه ذو الجود العميم بفضله ... وسقاه صوب سحائب الرضوان
بالمصطفى خير البرية جدّه ... طه المشفَّع رحمة المنَّان
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما ... بكت السماء وحنَّ قلبٌ عان
والآل والصحب الكرام وتابع ... ما ناح قمريٌّ على الأفنان
شيخي أبا عبد الإله تصدَّعت ... منا القلوب لحادث الفقدان
لكنه أمر الإله وحكمه ... سبحانه الباقي وكلّ فان
فالله يجبر صدعها وينيلها ... أجر المصاب بجوده الهتَّان
قد كنت لي بدراً فغبت فأظلمت ... لمغيب ضوئك منيَّ العينان
حسبي الدعاء بأن تكون منعماً ... بالفوز والرضوان وسط جنان
وأقول إذ ليلي بتاريخي دجا ... نلت المنى من ربنا الرَّحمان
[٣٦]
[الشيخ سليمان المحجوب]
هو الشيخ أبو الربيع سليمان بن عمر بن قاسم ابن الحاج المحجوب الشريف المساكني وهو المفتي ابن قاضي المسلمين وحفيد كبير أهل الشورى من السادات المالكية وابن أخي كبير أهل الشورى أيضاً وابن عم المفتي المالكي وابن ابن عم القاضي المالكي فهو ثالث سلسلة آبائه وسادس آل بيته في الخطة الشرعية وهو أخرهم من كنانتهم ناهيك من حسب زانه شرف النسب.
وقد أخذ العلم عن والده الشيخ عمر المحجوب وقرأ على عمه الشيخ محمد المحجوب والشيخ أبي محمد حسن الشريف وغيرهم.
وتقدم بعد والده لمشيخة المدرسة المرادية غير أنه عاقه عائق الإشهاد لكنه كان من فحول الموثقين نسجاً على منوال آل بيته وكان فصيح القلم ومن يشابه أبه فما ظلم وبذلك استكتبه الأمير مصطفى باي وسافر معه بالأمحال المنصورة. وبعد ذلك ترقى في خطة الكتابة بديوان الإنشاء، وتصرف بفصاحة قلمه كيف شاء، وتدرج في مراقيها إلى أن صار كاهية لسان الدولة الأصرم.
وكان مع ذلك يقرئ في بعض الطالبين بجامع الزيتونة حتى أنه لما جمع الأمير حسين باشا المدرسين بالجامع وأمرهم بالإقراء حضر هو وأقرأ مختصر السعد وهو متعمم بعمامة مطروزة بالحرير غير أنه أرهقه دين تعسر عليه الخلاص من أوحاله حتى سجن ببيت الضياف بباردو إلى أن عزل من وظيفته.
وقام في كن بيته متجملاً بالقناعة إلى أن توفي ابن عمه فأرسل إليه المشير الأول أحمد باشا فحضر بين يديه بباردو لابساً اللباس الطويل لباس الكتابة وقدمه لخطة الفُتيا فلبس لباس الخطة الشرعية فوق لباسه الطويل وصار مفتياً خامساً في أواخر ذي القعدة الحرام سنة ١٢٦٣ ثلاث وستين ومائتين وألف، ولما توفي الشيخ ابن سلامة صار مفتياً رابعاً، واستمر على ذلك ولازم القناعة والمحافظة على ناموس شرفه إلى أن حضر أجله فتوفي أواسط رجب سنة ١٢٦٧ سبع وستين ومائتين وألف عليه رحمة الله.
[٣٧]
[الشيخ أحمد بن حسين القمار]
هو الشيخ أبو العباس أحمد بن حسين بن محمد بن حسين القمار الكافي ولد ببلد الكاف عام اثني عشر ومائتين وألف، ونشأ في رفاهية أهل بيته وكان آباؤه ذوي شأن يتولون الأعشار ونحوها من متعلقات الدولة.