خولت هذه المعاهدة حق الحماية للدولة الفرنسية بفصلها الأول الناص على أن الغرض هو إتمام الحماية لذلك يتكفل الباي بإدخال الإصلاحات الإدارية والعدلية التي ترى حكومة فرنسا الفائدة في إدخالها.
لذلك كانت الحكومة التونسية بالباي والوزير الأكبر آلة تنفيذ لما تراه الحكومة الفرنسية من تقييد للحكومة التونسية بعنوان الإصلاحات.
ولم تمض إلا مدة وجيزة على معاهدة باردو حتى استصدرت الحكومة الفرنسية أمراً من الباي في إنشاء الكتابة العامة كما في منتخبات الرائد التونسي المبدوءة من ١٢٩٩ إلى ١٣٠٠ ويوافق التاريخ المذكور لإصدار أمر الكتابة العامة ٤ فيفيري سنة (١٨٨٣) ومن ذلك الحين والسلطة التونسية في ذوبان والسلطة الفرنسية في تركيز وتثبيت إلى أن جاءت الخطوة الحاسمة بالاستقلال.
وهذا الباي من أطول الملوك الحسينيين عمراً إذ عمره (٨٧) سنة فقد ولد سنة (١٢٣٣) وتوفي سنة (١٣٢٠) .
[ابنه الأمير محمد الهادي باي]
١٣٢٠ ١٣٢٤ كان فيه انكماش عن فرنسا مما أدى إلى نفار بينه وبين بعض رجال دولته.
وقد أراد هذا الأمير الأخذ بيد العلوم الإسلامية فحضر بعض أختام الحديث سنة ولايته، واعتنى بطبع بعضها وهي التي ختم بها سنة (١٣٢٠) .
[الأمير محمد الناصر باي]
١٣٢٤ ١٣٤٠ عاش هذا فترة من التاريخ التونسي تعد من فتراته الانتقالية سواء بالنسبة لتونس خاصة أو بالنسبة للعالم.
أما بالنسبة للعالم فقد نشبت الحرب العالمية الأولى في سنة (١٩١٤ ١٩١٨) التي شاركت فيها أكثرية من دول العالم وانقسم المتحاربون فيها إلى قسمين الحلفاء ودول الوسط تتزعمهم ألمانيا.
ونتج عن هذه الحرب وود دول عربية، وبدأ العالم العربي يعتمد على نفسه دون الاتكال على الخلافة التي انتهى أمرها (١٢٢٤ م) .
كما أن مبادئ ولسن الرئيس (٢٧) الربعة عشر التي أعلنها في سنة (١٩١٨) م والتي منها تقرير المصير حركت مشاعر الحرية.
وأما بالنسبة لتونس فإن هناك نهضة نشأت من عوامل مختلفة منها: التحاك بالغرب.
والنهضة العربية التي أيقظتها الأحداث فأرادت مسايرة ركب الحضارة.
وسقوط الخلافة الذي بعث هزة في تونس حيث أدرك التونسيون أنه لا اعتماد للشعوب إلا على نفسها.
والتأثر بالحركات الوطنية في الخارج.
الحركة التونسية في الخارج التي ابتدأها الشيخ إسماعيل الصفائحي (١٣٣٧) والشيخ صالح الشريف (١٣٣٨) ، ومحمد باش حانبة (١٣٣٦) .
ومن الأحداث في مدة هذا الأمير بدء الحركة السياسية فقد تأسس الحزب الحر الدستوري اختفاء ثم إعلاناً.
ومن بواكير أعماله وفد الأربعين الذي أعلنت فيه المطالب التونسية وأم هذا الوفد الأمير محمد الناصري باي.
وتلكم عن وفد الربعين الزعيم التونسي الجزائري احمد توفيق المدني في مذكراته حياة كفاح فقال ما ملخصه: لم يكن من المنطق السليم أن يذهب الوفد التونسي إلى باريس لعرض رغائب تونس دون أن يقع عمل مشابه لذلك لعرض القضية على سمو باي تونس وإشراكه في المسؤولية.
وتركب الوفد من مجموعة تمثل كافة طبقات الشعب التونسي.
ثم يقول: وأسندت رئاسته لعالم من أكرم العلماء ومدرس من أفضل المدرسين هو الشيخ الإمام محمد الصادق النيفر الذي أشهد أنه أبلى البلاء الحسن وناضل النضال المجيد.. في سبيل القضية التونسية.
وأعلن وفد الأربعين المطالب التونسية في ٢ شوال سنة ١٣٣٨ وفي ١٩ جوان سنة ١٩٢٩.
وسافر في شهر جوان من السنة المذكورة الوفد الأول الدستوري الممثل للجنة التنفيذية.
فتشكلت الحركة بشكل حركة منظمة منبعثة للعمل في الداخل والخارج، وقد نبهت المستعمر أن الشعب التونسي ليس بالشعب النائم، إذ أخذ ينقض عنه ما تراكم من تلك القرون المظلمة فأصبح يحسب له حسابه.
[الأمير محمد الحبيب باي]
١٣٤٠ ١٣٤٧ من أهم الأحداث في مدته أنه بادر إلى التوقيع على الإصلاحات التي قدمها له المقيم فيما يخص تعويض المجلس الشوري بمجلس يسمى المجلس الأكبر.
والفرق بين المجلسين غير كبير فمجلس الشورى كان يتركب من قسمين فرنسي وأهلي هكذا كانوا يعبرون عن القسم التونسي.
وبتركب القسم الفرنسي للمجلس الشوري من (٣٦) عضواً.
والقسم التونسي المعبر عنه بالأهلي من (١٦) عضواً يعينون كل أربع سنوات.