عسى روضة تهدي إليّ أنيقة ... تدبج أسطاراً على ظهر مهرق
أحلي بها علاء وسؤددا ... وأجعلها تاجاً بهياً بمفرقي
فكتب إليّ مراجعاً: [الطويل]
أتتني على شخص العلاء تحية ... كَرَأد الضحى في رونق وتأنّقِ
أتمِ من الريحان ينضح بالندى ... وأطرب من سجع المطوق
سُطيرَان في مغزاهما أمن خائف ... وسلوة مشغوف وأنس مشوق
نَصرْتَ أبا بها همم العُلى ... وأطلقت من آمالها كل مُوثق
وحملنا الوزير القاضي أبو الحسن بن أضحى إلى إحدى ضياعه بخارج غرناطة ومعنا الوزير أبو محمد بن مالك، وجماعة من أعيان تلك المسالك، فحللنا بضيعة لم ينحت المحل أثلهأن ولم ترمق العيون مثلهأن وجلنا بها في أكناف جنات ألفاف فما شئت من دوحة لفّاء، وغصن يميس كعطفي هيفاء، وماء ينساب في جداوله وزهر يضمخ بالمسك راحة متناوله، ولما قضينا من تلك الحدائق أَرَبأن وافتضضنا منها أتراباً عُرُبأن ملنا إلى موضع المقيل، وزلنا عن منازه تزري بمنازه جذيمة مع ملك وعقيل، وعند وصولنا بدا لي من أحد الأصحاب تقصير في المبره، عرض لي منه تكدير لتلك العين الثره، فاظهرت التثاقل أكثر ذلك اليوم، ثم عدلت عنهم إلى الاضطجاع والنوم، فما استيقظت إلا والسماء قد نسخ صحوهأن والغمام منهمل، والثرى من سُقياه ثمِل، فبسطني بتحفّيه، وأبهجني ببر لم يزل يتممه ويوفيه، وأنشدني: [البسيط]
يوم تجهم فيه الأفق وانتشرت ... مدامع الغيث في خد الثرى هَمَلا
رأى وجومك فارتدت طلاقته ... مضاهياً لك في الأخلاق ممتثلا
وكتب يستدعي إلى مجلس أنس: يومنا اعزك الله يوم قد نقبت شمشه بقناع الغمام، وذهبت كاسه بشعاع المدام، ونحن من قطار الوسميّ، في رداء هديّ، ومن نظير النوار، على نظائر النضار، ومن بواسم الزهر، في لطائم العطر، ومن غر الندمان، بين زهر البستان، ومن حركات الأوتار، خلال نغمات الأطيار، ومن سقاة الكؤوس ومعاطي المدام، بين مشرقات الشموس وعواطي الأرام، فرأيك في مصافحة الأقمار، ومنافحة الأنوار، واجتلاء غرر الضباء الجوازي، وانتقاء درر الغناء الحجازي، موفقاً إن شاء الله تعالى.
[السوسيون]
جدتي للأم وهي والدة والدتي فاطمة بنت أبي الثناء محمود بن محمد الشاذلي بن محمد الأوسط بن عبد الله بن محمد بن علي بن سعيد بن حمّ السكتاني السوسي المغربي المكسالي رضي الله تعالى عنه. ولدت سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف، وتوفيت في السابع والعشرين من شعبان سنة اثنتين وثلاثمائة وألف ودفنت في مقبرة والدها. وقد أدركت أخاها الشيخ الحاج محمد السنوسي منتصباً للإشهاد بالطيبين مع جليسه المدرس الشيخ محمد القرطبي وهو شيخ في حزب الأسبوع والأذان بجامع الزيتونة يلازم العمامة الخضراء علامة على شرفه، وتوفي في شعبان سنة ١٢٨٨ ثمان وثمانين ومائتين وألف وكان والده أبو الثناء محمود حاملاً لكتاب الله خيراً ذاكراً توفي سنة ١٢٣٩ تسع وثلاثين ومائتين وألف وهو في حدود الستين سنة وكان والده من ثقاة عدول تونس وأما والده الشيخ محمد الأوسط فكان عالماً فقيهاً متصوفاً أقرأ التفسير وأمهات الفقه والتصوف بجامع الزيتونة وولي مشيخة مدرسة حوانيت عاشور بعد وفاة والده وأقرأ بها. وفي آخر أمره لازم بيته وانقطع لربه وذهب الناس في انعزاله عنهم كل مذهب حتى قال في ذلك من شعره: [الوافر]
ولما أن رأوني ذا خمول ... طريحاً في زوايا الاجتنابِ
أجالوا فكرهم في حصر أمري ... رأوه وما هُدُوا سبل الصواب
فبعضهمُ يقول غدا ملياً ... غنيّاً لا يميل إلى اكتساب
وبعضهمُ يقول به احتراق ... أمال مزاجه نحو اكتئاب
ففي طلب المكاسب كل شر ... من أنواع التصارف والسباب
وفي وصف القناعة كل خير ... يَبِين لكم غداً يوم الحساب
كان ظهوره كالشمس يبدو ... فعنّا قد توارى بالحجاب
فقلت لهم كذبتم إن ماقد ... نسبتم لا يصح له انتسابي
ولو ملتم إلى الإنصاف قلتم ... رأى المآل إلى ذهاب
وأن مطالب الدنيا جميعاً ... تبين لذي البصيرة كالسّراب
إذا ما ظنها الظمآن ماءً ... ويممه تبين كالسحاب
فأقدم راجياً ربّا وولّى ... على عقبيه في فرط التهاب