سّيان منْ عزَّ أو هانت معاقله ... لا يفتدى والدٌ منها ومولود
تلك الليالي وغن جادت بما وعدت ...
غطاؤها منك مسلوبٌ ومردود
ألا لعاً للأماني فهي مرحبة ... ولا لعاً لليالي فهي تنكيد
لا يفتدي امرأً ذا عزة أسفٌ ... إنّ المجد بريب الدهر مجدود
لا تنقع الظامئ المصدور موجعة ... أو ينجع الفاقد المحزون مفقود
أظلَّ ذا الوجد من ذا الخطب مغتبطاً ... في الحي يرتاد طلقاً وهو مردود
سلِ المنايا لمن ولت عزائمها ... وسددت سهمها؟ لا كان تسديد
بالفاضل المحسن الحمود قد نشبت ... أظفارها فتولت وهو منجود
من الألى فرض الرحمن حبَّهمُ ... فودهم لأمان الأرض إقليد
شمٌّ معاطسهم زهرٌ مكارمهم ... والكل يصحبهم عزٌّ وتمجيد
فطب حديثاً وقل ما شئت من كرم ... فكل فضلٍ لأهل البيت مشهود
قد كان غيثاً هطولاً في فضائله ... ترى مزاياه عقداً وهو منضود
ثنيتين من بعد خمسين سمت حججاً ... يؤمُّ وهو على الإجلال موطود
يسدد القول عن أغراض موعظة ... لانت لموقعها الصمُّ الجلاميدُ
ففي المنابر نحبُ الآسفين وفي ... صدر المجالس تأويهٌ وتصعيدُ
فلتغمضنَّ جفون المجد عن أسف ... فإنه في جفون الأرض مغمود
سقى لمضجعه الأسنى وعادوه ... مأواك محسنُ في الفردوس محمود
[الشيخ محمد محسن]
هو الشيخ أبو عبد اله محمد بن عل يبن احمد بن محمد بن محسن بن احمد الشريف، إمام مسجد دار الباشأن وهم جرا إلى الوصول إلى أصل الوجود صلى الله عليه وسلم ناهيك به من صفوة مشاربه، وعزت مآربه، حفيد غمام جامع الزيتونة، وقد كان والده سميه عظيم القدر جليلاً فاضلأن يغلب عليه الصلاح، تجاوز الثمانين سنة، ولاستدعاه المشير الثاني محمد باشا في مبدأ دولته وتبرك به واخذ بيده حين وصوله إليه وشيعه حين خروجه من عنده، ونال منه الدعاء الصالح وأكرمه بمال عظيم، ثم اشترى له داراً كانت جوار داره بما أرضى صاحبهأن وتوفي بعد دولة المشير المذكور، وأعقب فحلين من أولياء الله وهما: الشيخ أبو الحسن علي وأخوه صاحب الترجمة.
[الشيخ علي محسن]
أما الأول فقد ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف في فضل بيته وقرأ القرآن إلى أن وعاه حفظأن وقرأ العلم الشريف بجامع الزيتونة على الشيخ علي العفيف، والشيخ محمد النيفر الأكبر، ثم سلك طريق أهل الله، وأخذه الجذب وكان في حدود الخمس والخمسين بعد المائتين والألف يحضر جامع الزيتونة، وينكر على المصلين السعال، وربما ضرب من أخذه السعال، فأمسكه عمه إمام جامع الزيتونة الأكبر في الدار، وقيده يوم السبت وكانت والدته تخرج في الليل فتجده يدور في وسط الدار، أو انه يتوضأ حتى إذا جاء النهار أصبح في قيده.
وفي ليلة الثلاثاء حضر لدار عمه ثلاثة أشخاص وقرعوا عليه الباب وطلبوا مقابلته في ذلك الوقت، فخرج إليهم فطلبوا من فك قيد ابن أخيه وأعلموه انه سيلازم الدار من يوم الجمعة القابل إلى أن يستكمل أربعاً وثلاثين سنة يكون فيها قطباً بأراضي السودان، ثم يخرج ويحسن سلوكه ويلازم جامع الزيتونة، وعند ذلك أرسل عمه في الحين بفك قيده، وكان الأمر كما ذكروأن فإنه لازم داره، التي قرب الجامع الحسيني، وتعاطى هدمها إلى أن خرج منها أهله، واستمر في هدم الديار المجاورة لهأن وكان كلما وصل إلى دار أرسل الأمير إلى صاحبها ودفع له ثمنها وتركها له، إلى أن عظم البراح الذي أقام فيه، وقد أدركته وهو غنما يظهر من السطوح أحياناً أو انه يخرج التراب من كوة فتحها إلى أن استكمل أمده، فخرج في أواخر عام تسعة وثمانين ولازم التردد بين داره والجامع.