هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد الكبير بن يوسف درغوث رابع الدرغوثيين في الخطة الشرعية، وذلك أنه لما توفي والده سنة ست وخمسين توقف الباشا في تقديمه لخطة الإفتاء حيث إنه لم تسبق له سابقية العلم، وانتظر قدوم الشيخ حسن البارودي من إسلامبول ليوليه الفتيا وعند ذلك أخذ صاحب الترجمة في القراءة على الشيخ علي بن سلامة وقرأ معين المفتي على الشيخ محمد الأرناؤوط، وما لبث أن جاء خبر نفي الشيخ حسن البارودي فأعمل صاحب الترجمة الوسائل مع صهره سليمان باي ولد الباشا إلى أن قلده الباشا علي باي الإفتاء وإمامة الجامع اليوسفي وراثة عن والده.
وأقام مفتياً ثانياً إلى أن تبلج صبح الهدى بولاية الباشا محمد الرشيد باي فأخره عن الخطة لقصوره، وذلك أخر العهد بالدرغوثيين في الخطة الشرعية وإمامة الجامع اليوسفي بعد أربع وتسعين سنة، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وقد توفي سنة تسع وسبعين ومائة وألف، عليه رحمة الله ورثاه أحد الشعراء بقوله: [البسيط]
رمسٌ عليه من المولى جلالاتُ ... لا بل من الجنة الفردوس روضاتُ
مذْ حلّه من له بين الورى شرفٌ ... ورتبة دونها الشهب العلياتُ
محمدٌ شيخُ الإسلام بن يوسف من ... لذكرهم في العلا والمجد آياتُ
من آل درغوث من أمست مناقبهم ... لها على هامة الجوزاء دوساتُ
توارثتْ منصب النعمان كابرهمْ ... عن كابرٍ إثره يقفوه ساداتُ
كانت بهم تونسٌ قطب البلاد وقد ... كانوا إليه بدوراً وهي هالات
مولاي قبلهُ بالعفو الجميل فقد ... وافى لبابك تجدوه الخطيئات
أجاب داعيكَ لمّا أن دعوتَ وما ... سوى الرجا زاده التقوى وآلاتُ
فجازه بالرضا إذْ كان تاج علا ... في حكم شرعك تضنيه الولايات
وقد جزمنا بفألٍ من مؤرخه ... (حزاءُ تاجِ العلا والعلم جناتُ)
[١٤ الشيخ حسين البارودي]
هو الشيخ أبو محمد حسين بن إبراهيم البارودي بن محمد أصلهم من بلد مورة ومنها قدم إبراهيم المذكور وقد حج بيت الله الحرام وكان له أولاد ثلاثة أولهم قاره مصطفى وقد نشأ في العسكرية وبلغ إلى أن ولّي ترجماناً في دريبة الدولاتلي، والثاني وكان عالماً ولي إمامة الجامع اليوسفي ومشيخة المدرسة الشماعية بعد وفاة الشيخ عبد الكبير الصوفي في رجب سنة ١١٥٠ خمسين ومائة وألف، وتقدم أيضاً لمشيخة المدرسة العنقية، وكان فصيحاً في اللغة التركية وقد جرى الرسم في الجامع اليوسفي بترجمته الحديث الشريف بها فجرى على ذلك، ومعظم أمره عند الترك مدة الباشا لمكان علمه وفصاحته حتى أحس الباشا من إقبال الترك إليه فأرسله برسم شراء كتب من إسلامبول فأدركته الوفاة قرب ساقس فدفن بها.
وأما ثالث أبناء إبراهيم المذكور فهو صاحب الترجمة وقد ولد بتونس سنة ١١١٠ عشر ومائة وألف. ونشأ نشأة صالحة وتصدى لقراءة العلم الشريف فقرأ على أعلام جامع الزيتونة حضر على الشيخ علي سويسي عند إقرائه شرح الباشا على التسهيل، وقرأ على الشيخ محمد الحرقافي شرح القطر لابن هشام وملا جامي في النحو، وقرأ الكتاب المذكور على الشيخ حمودة العامري خليفة جامع الزيتونة وتفقه في مذهب أبي حنيفة على الشيخين أحمد الطرودي وإمام الباشا وخطيبه الشيخ ملا باكير، وقرأ على خاتمة المفسرين الشيخ محمد زيتونة، وظهرت براعته وتصدى للتدريس بجامع الزيتونة ثم لازم بث العلم لولا ما عاقه من المحن مدة الدولة الباشية فقد انتبهوا داره وأثاثه وسجنه الباشا مدة ثم نفاه لزاغون ولما ورد خبر وفاة أخيه أرسل بإرجاعه إلى الحاضرة وأولاه إمامة الجامع اليوسفي وروايته سنة ١١٥٧ سبع وخمسين، ولم تمض عليه سنة حتى أعاده إلى النفي بزغوان، فبقي هنالك إلى أن انقضت فتنة يوسف باي فأرسل إليه وأتى به وأولاه إمامة الجامع الباشي عند عزل الشيخ يوسف القفال وأولاه رواية الجامع المذكور وتدريسه عند عزل الشيخ محمد الأرناؤوط كل ذلك أواسط رجب سنة سبع وسبعين ومائة وألف.