للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقدم استيفاء ترجمته في الأيمة ولما توفي كبير أهل الشورى الشيخ إسماعيل التميمي تقدم للخطة المذكورة من أول وهلة في جمادى الأولى سنة ١٢٤٨ ثمان وأربعين ومائتين وألف وتقدم بذلك على الشيخ محمد المحجوب والشيخ الشاذلي بن المؤدب ولازم الخطة المذكورة أكثر من تسع عشرة سنة إلى أن توفي عليه رحمة الله آمين.

[٣٣]

[الشيخ محمد الخضار]

هو الشيخ أبو عبد الله بن محمد الخضار أصله من أبناء الحاضرة، وكان والده يحترف ببيع الخضر وتعاطي الدلالة بسوق الترك، وكان خيراً فاضلاً وليس هو من ذرية الولي الصالح الناسك الشيخ علي الخضار الأندلسي المتوفى آخر ذي القعدة الحرام سنة ١٠٦٥ خمس وستين وألف في حالة سجوده من صلاة العصر بجامع الزيتونة رضي الله عنه كما توهم.

وقد ولد صاحب الترجمة سنة تسع ومائتين ونشأ في طلب العلم وسعى في تحصيله فقرأ على الشيخ أبي محمد حسن الشريف والشيخ الطاهر بن مسعود والشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ محمد الستاري وغيرهم وأخذ الفرائض والحساب عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن ملوكة وتعاطى العلوم الحكمية بالمطالعة وقرأ أوراقاً من المواقف على الشيخ محمد الفاسي، وتسلط على علوم أخر مثل الكيمياء والرمل وما شاكلهما، واجتمع مع قرينه الشيخ محمد البحري على نظر شرح القاضي زادة علي الجغميني في الهيئة بمقصورة النواورية بجامع الزيتونة قبل صلاة الظهر وفي أثنائه حضر هنالك الشيخ عثمان النجار المرجع الوحيد في ذلك الفن فعرضا عليه بعض المسائل وصار يأتيهما كثيراً في ذلك الوقت مساعدة لهما على ذلك الكتاب إلى أن تم ختمه وتعاطى نظم الشعر فسبق إلى غايته بحسن قريحته الوقادة، وهكذا كانت تعلماته أكثرها بالتسلط ومع ذلك بلغ غايات لم تدرك بما له من رسوخ الفكر واتقاد القريحة مع قلة قراءته وجلس لتدريس فأفاد الطالبين بعلمه وذكائه العجيب، وخرج لحج بيت الله الحرام وكان وقع للتاجر العروسي نزاع مع أحد شركائه بالشام وتوفي وخلف مالاً فتكلف الشيخ بنازلته ولما فرغ من حجته ارتحل إلى الشام واجتمع في مكة بالشيخ أحمد بن السنوسي والشيخ محمد بن أحمد وغيرهما من رجال الحديث المشاهير واجتمع في الشام بفحول العلماء وكانت مدة مغيبه خمس سنين.

ثم رجع إلى تونس وأقام على بث العلم في جامع الزينوتة وتقدم قاضياً في المحلة المنصورة بعد وفاة قاضي المحلة الشيخ أحمد زروق سنة ٤٨ ثمان وأربعين فسافر مع الأمير مصطفى باشا وسافر بعد ذلك مع المشير الأول أحمد باشا، وولي الإمامة والخطبة بجامع التوفيق فخطب من إنشائه خطباً يلين بها الحجر الصلد ثم قدمه الأمير للفتيا فصار مفتياً رابعاً في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر ورمضان المعظم سنة ١٢٥٣ ثلاث وخمسين ومائتين وألف، وتقدم لخطة التدريس بجامع الزينوتة في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع كالترتيب الأحمدي أواخر شهر رمضان المعظم سنة ٥٨ ثمان وخمسين وأقام على إفادة الطالبين والمستفتين ولما تقدم الشيخ محمد بن سلامة مفتياً ثانياً من أول وهلة صار صاحب الترجمة مفتياً خامساً.

وكان عالماً متضلعاً في العلوم العقلية يميل إلى الحكيمات فقيهاً خيراً نقادة، اقتصر في عام ٥٤ أربعة وخمسين على حضور ثلاثة أختام في شهر رمضان وهي ختم الشيخ محمد بيرم الثالث والشيخ الرابع والشيخ محمد بن الخوجة وقيل له في ذلك فقال: [مخلَّع البسيط]

عيون أختامنا ثلاثٌ ... قد أحرزت في الكمال فضلاَ

لغيرها لا أشد رحلي ... وهل تشد الرحال إلا

وهو حسن الأخلاق والاعتقاد نفع الله بعلمه كثيراً فصيح القلم واللسان شاعر مفلق ينسج على منوال عزيز بذ فيه على شعراء عصره بالجزالة وإحكام النسج أثبت له كتابي مجمع الدواوين التونسية قطعة وافرة تناهز الكراسين وتدل على رسوخ قدمه في الآداب التي أتى منها بالعجب العجاب وكان حسن المفاكهة والمحاضرة يطربه الصوت الحسن قيل له في ذلك في بعض المجامع فقال:

لا تلمني يا عذولي ... إنّني في الحب داعِ

حسنٌ في ناظري ... وحسين في سماعي

<<  <   >  >>