هو شيخنا أبو العباس أحمد بن محمد عاشور الصدفي الأنصاري الساحلي، ولد ببلد بو علي من عمل الساحل، وقدم إلى تونس في طلب العلم الشريف، فأخذ عن فحول منهم الشيخ أحمد بوخريص والشيخ إبراهيم الرياحي والمولى الجد الشيخ محمد السنوسيّ، والشيخ محمد بن ملوكة وغيرهم.
وتصدى للتدريس ولازمه فأفاد وتقدم لخطة التدريس في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع الترتيب الأحمدي أواخر شهر رمضان سنة ١٢٥٨ ثمان وخمسين ومائتين وألف فلازم جامع الزيتونة، وأخذ عنه علماء جلة مختلفو الطبقات، أدركت جامع الزيتونة وهو شيخ كافة شيوخه إلاّ من ندر ومع هرمه كان جميع يومه يستوعبه تدريساً وقد قرأت عليه القطر لابن هشام ونبذة من الشذور وقطعة من شرح الشيخ عبد الباقي على العزية، وشرح الشنشوري على ال رحبية بعمل الفرائض ونبذة من القلصادي، ونبذة من الدرة، ونبذة من شرح الرصاع في شرح أسمائه عليه الصلاة والسلام.
وكان عالماً عاملاً ورعاً متواضعاً قنوعاً يخدم داره بنفسه كثيراً ما نلاقيه يحمل قلة الماء إلى داره ويحمل خبزته إلى الفرن لقيه تلميذه الشيخ الطاهر بن عاشور حاملاً خبزته وكان راكباً في حاشيته فنزل عن فرسه وقبل يده وأراد أن يأخذ منه الخبزة ليعطيه من يوصله إلى الفرن فامتنع الشيخ من ذلك إلا بجهد جهيد، فكان من بقية السلف الصالح.
شرح نظم متن العشماوي في العبادات للشيخ الطيب بوخريص بشرحين كبيراً وصغيراً أبدع فيهما ما شاء في تحرير المسائل، وله تأليف لطيف في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وهوامش زين بها كتبه، وفي أثناء قراءتي عليه أدركه مرض الحمّى العام لكنه عوفي منه وبعد أيام قليلة ×رج بعياله لبلده بالساحل، وكان ذلك أوائل رجب ثم في تاسع شعبان أرسل له الأمير محمد الصادق باشا باي بتولية خطة قضاء باردو المعمور فامتنع من قبولها وأقام هنالك متمارضاً فأدركته المنية ثامن عشر شوال الأكرمسنة ١٢٨٥ خمس وثمانين ومائتين وألف ودفن هنالك عليه رحمة الله تعالى آمين.
[الشيخ محمد بو عصيدة]
هو شيخنا أبو عبد الله محمد المدعو حمدة التميمي، ولد بمنزل تميم وقدم إلى تونس في طلب العلم فأخذ عن أعلام الرجال، قرأ النحو والفرائض على الشيخ محمد بن ملوكة، وقرأ على الشيخ أحمد الأبي، والشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ محمد بن سلامة قرأ عليه شرح التاودي على العاصمية، وغيرهم. وتضلع في المعقول سيّما في علم النحو فقد كان فيه عريض البحث، وله في المعاني والبيان قدم راسخ.
تقدم لخطة التدريس في الرتبة الثانية عند ترتيب المدرسين الصغار بجامع الزيتونة، ثم تقدم إلى الرتبة الأولى، وولي مشيخة المدرسة المغربية عند وفاة الشيخ علي الريحاوي، وواظب على دروس انتفع بها خلق كثير وتقدم عضواً في مجالسالأحكام القانونية، فكان عند الظن به في حسن الإدارة والتبصر.
وقد قرأت عليه الأزهرية وقطعة من شرح القطر لابن هشام، وكان يومئذبصدد تحرير حاشية عيه، ونبذة من أول المقدمة لابن هشام بحواشيه.
وكان عالماً محققاً دراكة غواصاً على دقائق المعاني محبّاً للمباحثة حسن الإلقاء، متواضعاً قنوعاً عالي الهمة.
كتب حاشية على مقدمة ابن هشام أبدع فيها ما شاء وكتب حاشية على قطر ابن هشام غير أنه لم يتمها.
ومرض فتوفي ضحوة يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الثانية سنة ١٢٨٤ أربع وثمانين وما~تين وألف، وقد رثاه الشيخ الطاهر بن جعفر بقوله: [الكامل]
كل لمرئ للموت حقاً يرجع ... أما البقاء فليس فيه المطمعُ
قدر جرى في الناس أمراً حاتماً ... يا صاح منه فأين أين المفزع؟
سيان في ذاك الرفيع وضدّه ... فالله يفعل ما يشاء ويصنع
فليحذر الإنسان من دنياه أن ... يغتر فيها إذ بناها بلقع
وليتعظ بمصابنا في جهبذ ... شيخي الإمام اللوذعي اليلمع
فالكون أصبح مظلماً من بعدهما ... كانت بدور العلم فينا تطلع
فبفقد أهل العلم بدء ملمة ... وبموتهم شيئاًفشيئاً
وأروع قلبي والخطوب تراكمت ... عني فهل صبر لذلك ينفع؟
سيدي أبو عبد الإله محمد ... من فكره في الفهم سيف أقطع
(كشاف) أسرار المعاني متقنٌ ... كل العلوم وللبلاغة منبع