لا تقل مولاي إني موجزٌ ... مدحكمْ ربَّ مجيزٍ مطنب
كنت مولاي رفعت لكمُ ... بمديحي منه قصدي يعرب
لا أعيد القولَ في ذا إنما ... أثقلُ القولِ معادٌ يكرب
أبتغي منكم جواباً بالرضا ... تنجلي منه لديّ الكرب
فإذا لم تسمحوا واحسرتي ... آزفات آزِفات ترعب
إنني قدمت مدح المصطفى ... بين أيدي مدحكم أستوهِب
لك ما يرضيك منه عاجلاً ... وكذا في آجل لا ترهبوا
إن باب المصطفى يفتح في ... وجه منْ أمّ إليه يرغب
صل يا رب على من بعثت ... فيه بعث الأنبياء والكتب
وعلى آلٍ وصحب والرضا ... عن جميعهم ومن هم صحبوا
واسق يا ربّ ثرى تربتهم ... كلما بالغيثِ تهمي السحب
وارض يا رب على ناظمها ... أحمد البارود باليا ينسب
وارحم اللهم شيخي والدي ... وكذا والدتي لا عزبوا
وأدِم حلمك في مذنبنا ... كلنا ذاك، ومن لا يذنب؟
واختم العمر جوار المصطفى ... ليكون الحشر فيمن يصحب
وأذن له فحج بيت الله الحرام، ورجع مغفور الآثام، وصار الحاج أحمد ابن الحاج حسين ابن الحاج إبراهيم فثلاثتهم قد حجوا وزاروا، وإلى دار النعيم صاروا، فتوفي عليه رحمة الله ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شوال سنة ١٢٢٩ تسع وعشرين ومائتين وألف ودفن بالمرسى جوار ضريح الشيخ سيدي عبد العزيز المهدوي رحمه الله ورثاه العالم الشيخ إبراهيم الرياحي بقوله: [الكامل]
عش ما تشاء لذاذة وحبورا ... إن القصور ستستحيل قبورا
يا غافلاً لم ينتبه لمذكّرٍ ... أفما كفى داعي المنون نذيرا
كم من رفيع في أسرّةِ عزّه ... خفضوه في ذل التراب أسيرا
وبموت أهل العلم أبلغ واعظ ... يهدي إلى كون الحياة مرورا
وهنا اعتبر بضريح أحمد كم طوى ... بمغيّب في طيه منثورا
غربت لبارودي بهون محاسن ... يا طالما أشرقن فيه بدورا
قد كان في وجه المحافل غرةً ... وعلى المنابر قسها المشهورا
ولطالما قرعت زواجر وعظه ... صمّا وكم ذا قد شرحن صدورا
أمّا إذا يتلو الكتاب فإنّه ... يهدي لأموات القلوب نشورا
عظم المصاب به وأحرى مذهب الن ... عمان إذ لهداه كان نصيرا
ركدت رياحُ زئيره فكأنه ... ما كان ليثاً في الرجال هصورا
إن يمض فهو سبيلنا ومنِ الذي ... كتبتْ له يمنى الخلود ظهيرا
لبّى المنادي واستجاب لربه ... يرجو رضاه فضله الموفورا
يا رب حقق فيه قوله مؤرخ: ... (ألقاه وجهك نضرة وسرورا)
[٢١ الشيخ حسين برناز]
هو الشيخ أبو محمد حسين بن مصطفى برناز، ولد سنة أربعين ومائة وألف، ونشأ في طلب العلم، فقرأ على أعلام عصره كالشيخ صالح الكواش ومن عاصره، وختم الدر المختار على الشيخ مراد بوسيكة وقرأ صدر الشريعة على الشيخ حمودة باكير والشيخ حمودة البرادعي.
وتقدم للفتيا ببلد منستير وخطبة جامعها الحنفي.
ثم لما طال به المقام طلب رفع يده من خطط المنستير ورجع إلى تونس وجلس للإشهاد فعدَّ من ثقات العدول ودرس الفقه ومبادئ النحو بجامع الزيتونة وولي الإمامة والرواية بالجامع اليوسفي وخطبة جامع القصر.
ثم لما ولي الفتيا الشيخ محمد بيرم الثاني تقدم عوضه لخطة القضاء يوم الجمعة الثالث عشر من المحرم ١٢١٥ خمس عشرة وقضى نحو خمس سنين في الخطة المذكورة، غير أنه كان غرّاً كريماً فقدمه الأمير حمودة باشا لخطة الفتوى يوم وهو يوم عيد النحر عاشر ذي الحجة الحرام عام ١٢١٩ تسعة عشر ومائتين وألف، وتولى خطيباً في جامع القصر عام ١٢٢٤ أربعة وعشرين ومائتين وألف. وكان فقيهاً فاضلاً تقياً خطيباً فصيحاً حسن الاعتقاد كثير الزيارة للصالحين محسن الظن بالناس لا يتكلف شيئاً وقد بلغ الهرم حيث بلغ من العمر إلى ثمانية وثمانين عاماً وتوفي عند الفجر من يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شوال سنة ١٢٢٨ ثمان وعشرين ومائتين وألف، ودفن من الغد بالسلسلة وقد رثاه العالم الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الرياحي بقوله:
كل الورى هدف لسهم حمامِ ... حكم جرى حتى على الحكامِ
كيف الدوام وكل شيء هالك ... لنزيل دار غير ذات دوام