للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اعلم أن مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه قد انتشر في إفريقية انتشاراً كلياً من مبدأ ظهوره وحسبك أن القيروان قد ضمت فحولاً من أصحاب الإمام مالك، ولم يزل العلماء يروون دواوين المذهب المالكي عن حفاظه خلفاً عن سلف منذ ذلك العهد وزاد المذهب انتشاراً حتى عم البوادي من أواسط المائة الخامسة حين أرسل القائم العباسي إلى المعز بن باديس بتقليد الإمارة على إفريقية وظهرت عند ذلك أمور كثيرة منها محو شعائر الشيعة وتعطيل جهات المملكة، وكان ذلك في حدود عام ٤٨٨ ثمانية وثمانين وأربعمائة وبذلك عم انتشار والمذهب وظهر بإفريقية وتونس فحول ملأت تراجمهم دواوين التواريخ فأصبحت تونس محطاً لرحال العلماء وأرباب الفتيا بمذهب الإمام مالك.

وكانت وظيفة الفتيا في ذلك العهد خاصة ببعض الجوامع، وأعظمهم مفتي جامع الزيتونة أدام الله عمرانه وهنالك فتيا جامع التوفيق في عشية الجمعة خاصة وقد تقدم الإلمام بالمفتين في تلك العصور في مقدمة أيمة جامع الزيتونة ثم انفصلت الفتيا عن الجوامع فغي آخر المائة الثامنة.

[١، ٢]

وممن أفتى بتونس في ذلك العهد الشيخ محمد السكوني والشيخ يوسف الأندلسي.

ثم لما استقرت المملكة في تصريف الدولة العثمانية وأخذ فيها أمراؤها قرارها وتداركوا حال العلماء فيها أقاموا بها مجلساً شرعياً وذلك هو مبدأ العهد بالمجلس الشرعي في تونس فأقاموا أربعة مفات من المالكية لا غير بحيث إذا مات أحد منهم عوضوا منه غيره خاصة العلماء المالكية الموجودين أهل الدين والعفاف لمشورة نائب القاضوية المالكي ومراجعة أرباب الخصوم.

[٣، ٤، ٥، ٦،]

وقد ولي خطة الفتيا بمذهب مالك في ذلك العهد العالم الصالح الشيخ سالم النفاتي مؤسس مجد بيتهم الرفيع ولازم الخطة إلى وفاته، ووليها العالم الصالح الشيخ محمد قشور، والشيخ عبد الكافي، والشيخ قاسم عظوم القيرواني وكان عالماً بفقه مذهب مالك وأبي حنيفة وإليه المرجع فيهما وألف البرنامج الفقهي، وهو من عمد كتب الفتاوي في مذهب مالك.

وكان ذا عيال وأولاد ومع ذلك هو قانع من دنياه بقوته وقوتهم بحيث إنه تعاطى التوثيق لما ولي خطة العدالة بتونس ولا يجلس للإشهاد إلا بمقدار ما يحصل على قوتهم.

وسبب ولايته الفتيا هو أن عثمان داي طلب منه أن يشهد له في نازلة على غير الوجه الشرعي فامتنع ولما استدعاه الداي لبذلك لم يتهيب أن وعظه بما رجع به عن طليبته صهره، ولما رأى مكانته في الدين أولاه الفتيا في ذلك المجلس وكان ذلك في العشر الأول من المائة الحادية عشرة فلازم الإفتاء إلى أن توفي عليه رحمة الله.

[٧]

ووليها أيضاً الشيخ أبو يحيى الرصاع الأنصاري مدة إلى أن ارتقى إلى إمامة جامع الزيتونة سنة ١٠١٧ سبع عشرة وألف.

[٨]

ووليها الشيخ قاسم بن أبي الفضل البرشكي فكان مفتي تونس في حدود السبع والثلاثين بعد الألف ١٢٣٧.

[٩]

ووليها الشيخ الشريف إبراهيم الفلاري وكان متفنناً جميل الخط فلازم الإفتاء إلى أن توفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادى الثانية سنة ١٠٣٩ تسع وثلاثين وألف ودفن بالمقبرة الكائنة أمام زاوية الشيخ محرز بن خلف التي بنى عليها محمد باي المرادي جامعه بعد سقفها فهي تحت الجامع من الجانب القبلي الشرقي.

?١٠

ووليها الشيخ أبو الحسن بن سالم النفاتي وهو الذي أتى بخط شريف من دار الخلافة العثمانية في تنفيذ كل حكم من المفتي والقاضي من غير أن يسأل أحد منهما عن نص المسألة بعد أن كانت العادة في البلاد أن الخصم يسأل كل عالم ويطلعه على المسألة وله أن يعارض بها القاضي أو المفتي في مجلس حكمه وبذلك حصل للشيخ أبي الحسن المذكور صيت عظيم في الخطة الشرعية إلى أن توفي في طريق الحج سنة ١٠٤٩ تسع وأربعين وألف.

١١

<<  <   >  >>