تولى أمور الناس فانتعشت به ... نفوس وحلت منه في كتف رغد
ولكنه لم يؤت في الملك مدة ... سوى حِجَج لم تكمل الخمس في العد
ولما أتى الحكم المحتم لم يكن ... لإرجاع محفوظ الوديعة من بد
مضى فبكت حتى المعالي تأسفاً ... ومنه اشتكت فقدان واسطة العقد
فَعِيلَ إذا صبر وسالت مدامع ... لَوَ أنَّ مسيل الدمع عن واجد يجدي
وأنّ جميل الظن في الله أنه ... يسامحه والرب ذو الرفق بالعبد
كما دلنا طيب الثناء فإنه ... دليل إلى حسن المصير له يهدي
وقلت استمع ما الله أجرى بخاطري ... وأرخته: مأواك في جنة الخلد
[١٢ المولى المشير محمد الصادق باشا باي]
خلد الله بقاءه [١٢٢٩ ١٢٩٩] هو المشير أبو الوفاء محمد الصادق بن حسين بن محمود بن محمد الرشيد بن حسين بن علي تركي، يتصل بشرف والدته السابقة الذكر في ترجمة شقيقه المشير الثاني، وهو ثاني عشر ملوك آل بيته العظام، وخامس آبائه الذين تجملت بتاج ملكهم عروس الأيام. ولد في الثاني عشر رجب الأصب سنة تسع وعشرين ومائتين وألف، وتربى في حجور عز دولتي جده وأبيه. وحصل من اعتناء والده به ما بلغه إلى الشأن النبيه, وقد تقدم إلى ولاية الأمحال أواسط شهر رمضان المعظم سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف. وخرج في اول محلة فأوقع ببغاة عمدون حيث وجدهم متخبطين في أشراك بغيهم، فأوقع بهم. وظهر منه في تلك المحلة من حسن السعي والتدبير ما حمد به خبره حيث أنه بعد أن قهرهم استعمل معهم الرفق والحلم واصطنعهم للملكة.
ولازم السفر بالأمحال مدة دولة المقدس أخيه إلى أ، اشتد المرض بأخيه وكان هو مسافراً بالمحلة في باجة فأرسل إليه أخوه واستقدمه على جناح طائر فحضر مشهد جنازة أخيه. وقبل البيعة العامة من كافة رجال الدولة والأهالي صبيحة يوم السبت السادس والعشرين من صفر الخير سنة ست وسبعين. ووفدت الوفود لبيعته وتهنئته فأقر سائر رجال دولة أخيه على مناصبهم ووردت إليه الخلعة العثمانية صحبة وزير البحر خير الدين ورئيس المجلس البلدي حسين فتقلد السيف الخاقاني صبيحة الثامن والعشرين من جمادى الثانية سنة ست وسبعين وأعمل الحزم في إنجاز مشروع أخيه بإتمام القوانين المبنية على عهد الأمان, وجمع لها خاصة العلماء والأعيان، فاستكملوا وضعها وأجملوا صنعها.
وخرج إلى مملكة الجزائر حين قدم إليها إمبراطور فرنسا نابليون الثالث لإحكام علاقة المجاورة التي بين المملكتين وكان ركوته من الحاضرة صبيحة السبت التاسع العشرين من صفر الخير سنة سبع وسبعين. ووصل إلى مرسى الجزائر بوصول الإمبراطور فأكرم نزله وأحسن تلقيه واستصحبه في سائر المشاهد والملاعب والطرادات التي هيئت له. وقلد كل منهما صاحبه نيشانه، وقضاها ثمانية أيام بديعة، لخص ما وقع فيها مستشار الخارجية حسين في رسالة مطبوعة.