للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورجع ثامن ربيع الأول وجرى على قويم منهجه في حث رجال القانون على إنجاز عملهم فاستكمله ونظم المجالس القانونية وتزينت لذلك البلاد زينة لم يسبق لها نظير ليلة الأحد منتصف شوال سنة سبع وسبعين، وفي صبيحة الأحد كان مبدأ اجتماع المجالس فوضعت على الترتيب الآتي، وهي المجلس الأكبر، وله رئيسان، وهما: مصطفى صاحب الطابع، ومصطفى خزندار، وكاهيته خير الدين، والمجلس الاعتيادي، ورئيسه محمد خزندار، وكاهيته حسونة بن أحمد الحداد الأندلسي، ومجلس التحقيق، ورئيسه صاحب الطابع إسماعيل السني، وكاهيته الشيخ محمد الشاهد، ومجلس الجنايات، ورئيسه فرحات آغة الكاف، وكاهيته الشيخ صالح النيفر. وباشرت المجالس الحكم على مقتضى القانون وأظهرت الأمة حرية آرائها في الأحكام والعوائد واستمر حكم القوانين نحو ثلاث سنين إلا أدن المجلس الأكبر رأى توفير مداخيل الدولة بجعل مال الإعانة على ست مراتب أدناها ستة وثلاثون وأعلاها مائة وثمانية ريالات تعم أهل الحواضر والقرى وأغراب المملكة ويقع تعيين ذلك عليهم على حسب كسبهم، وصدر معروض المجلس الأكبر في ذلك بتاريخ عاشر شوال سنة ثمانين. ثم جعلت اثنين وسبعين ريالاً على عموم الأفراد. وصدرت بذلك أوامر الدولة. وحين انتشر هذا الخبر اختلف صنيع أهل المملكة فأما عقلاء الحواضر والأعراب فقد رفعوا شكاياتهم وتلطفوا في طلب التخفيف، وأما أجلاف الأعراب ولا سيما أهالي الجبال فإنهم تجمعوا وأشهروا السلاح ومنعوا الطرقات وتعمدوا البغي، وجمع كيدَهم أحذ أجلافهم وهو دعي أصله من ماجر يسمى علي بن غذاهم. فخرج لهم فرحات آغة الكاف بسرية قاصداً ناحيتهم فتلقته عروش ونيفة وقاتلوه إلى أن قتلوه. واشتطت حمقاهم فنادوا بطلب إبطال القوانين، وعند ذلك صدرت الأوامر العلية بإيقاف أحكام القوانين صبيحة الرابع والعشرين من القعدة الحرام، سنة ثمانين، ونن الغد صدرت الأوامر العلية في إسقاط ما زاد على الستة والثلاثين. ونودي بذلك في سائر أطراف المملكة في الخامس والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة ثمانين ومائتين وألف، وخرجت المحال المنصورة، فتوجه إسماعيل السني صاحب الطابع إلى الجبل بمحلة مركبة من نحو خمسة آلاف من العسكر وباشر الأمور بلين وسكن حمق الأعراب بمواعيد الدولة وتأمينها وتفرقت كلمتهم ورجع عقلاؤهم على سفهائهم بعد وقوع أضرار كثيرة بالفلاحة ونهب بين الأعراب، وكاد سكون الفتنة أن يستتب. فرجع صاحب الطابع مريضاً من المحلة المذكورة وسافر عوضه للترؤس عليها وزير العمالة رستم.

ثم أعاد رئيس البغاة علي بن غذاهم الكرة وأخذ يجمع إليه القبائل ورام الملك لنفسه وجعل له وزراء ينادونه الباي علي بن غذاهم وجعل طابعاً وكَتَبة، وأصدر أوامر نفذت بين البغاة. وسرى ذلك الداء من الجهة الغربية إلى الجهة القبلية من المملكة وخرج وزير الحرب أحمد زروق لجهة الساحل بمحلة مركبة من خمسة آلاف من العسكر، وحضر إبان خروج المحلة الاعتيادية إلى الجريد فخرج الأمير علي باي بمحلته مركبة هن خمسة عشر ألفاً وظهر الفساد في أكثر البلاد، وتوجه وزير العمالة رستم في طلب رئيس البغاة علي بن غذاهم وأخذ في أثره بمحلته المنصورة وقاتل جموعه الأعرابية بين راكب وراجل واستنجد محلة الأمير علي بادا فأدركته الأعراب بمكان يقال له تاجموت، وكان على أهبة لقتالهم فأمر الفرسان بملاقاتهم ريثما اصطفت المدافع ولما أقل سيل البغاة تأخرت فرسان المحلة وراء المدافع وتلقتهم المدافع فاغرة أفواهُها السود فأوقعت بهم حتى رجعوا على أعقابهم خاسرين بعد أن تركوا الأرض محمرة من دمائهم وقتلاهم ملقون على الأرض، وسارت الخيالة في أثرهم وحين رأى ذلك الشقي رئيس البغاة ما حل به وعلم أنه مأخوذ فر إلى خارج حدود المملكة، ودخل بين اللمامشة فقبض عليه قائدهم في الرابع عثر من شعبان الأكرم سنة إحدى وثمانين ومائتين وألف بعد أن كسرت المحلة أنصاره، وسيق إلى محبسه الذي مات فيه بحلق الوادي.

<<  <   >  >>