للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إن الأولين منهم تخيرا خدمة العلم وقال صاحب الترجمة: إني نتمم قراءة العلم ونرجو من الله أن نتولى خطة القضاء فقال له الشيخ الطاهر: أنا لا أتحمل مسؤوليتها إن كان ولا بد فنرجو أن نتولى خطة إمامة جامع الزيتونة.

ثم قال الحاج سالم الوسلاتي: أنا إنما نتمنى على الله سعة البيع والشراء مع الوجاهة وملازمة جامع الزيتونة في الصلوات الخمس، وقد حقق الله أمنية جميعهم حيث إن الحاج سالم اشتغل بحانوت في العطارين قرب باب جامع الزيتونة وكان لا يتخلف عن الصلاة به واتسع ما بيده حتى أن أمين العطارين لما أحس به من وجاهته سعى مع باش حانبة يومئذ أحمد بن علي فأرسله له حمودة باشا وآذنه أن يخرج من سوق العطارين كل من لم يكن من أبناء الحاضرة جرياً على سالف عادة العطارين ولما بلغ الخبر إلى الحاج سالم الوسلاتي أخذ من قرينه الحاج علي بن عبد الرزاق الوسلاتي ألفين وخمسمائة محبوب، وضم إليها مثلها، وقدمها هدية إلى يوسف صاحب الطابع وقال له إن لنا في سوق العطارين نحو الأربعين سنة فكيف يسوغ للأمين أن يخرطنا في الأحداث. ولما عرض أمين السوق جريدة الآفاقيين الذين بالعطارين على الباي استثنى من الإخراج كلاً من التاجرين المذكورين لوجاهتهما، فسقط ما في يد الأمين، وأخرج من سواهما وكان حمودة باشا إذا مر بحانوت الحاج سالم وقف عليه ومالحه، وهو مولع بالتضمخ بالطيب كثيراً.

وأما الشيخ الطاهر بن مسعود فولي الإمامة.

وأما صاحب الترجمة فتضلع بالمعقول والمنقول، وجلس للتدريس في الفروع والأصول، وأخذ عنه كثير من العلماء الفحول، واشتغل بالمتجر وصناعة الشاشية، واتسع في ذلك نطاقه.

ولما توفي الشيخ محمد سويسي أرسل له الأمير حمودة باشا إلى حانوته بالسوق الكبير من أسواق الشواشية واستحضره فقلده خطة القضاء بالحاضرة وخطة النيابة بجامع الزيتونة، وعدت توليته من كمال معرفة الأمير بحقيقة أهل بلده فزان الخطتين علماً وإنصافاً وديانة. وكان جهوري الصوت تقرع مواعظه القلوب، لا يتخلف عن الجامع تدريساً وإمامة، مع القيلم بحقوق خطة القضاء على الوجه المرتضى، لا تأخذه في الحق لومة لائم، زكي النفس إلى أن بلغ من العمر نحو خمس وستين سنة، وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من يناير الموافق للتاسع من شوال سنة ١٢١٧ سبع عشرة ومائتين وألف عليه رحمة الله.

وأرخ وفاته قاضي الفريضة الشيخ محمد الحشايشي الشريف بقوله: [الكامل]

كل امرىء وسط التراب يكون ... فالموت من بعد الكرام يهونُ

هذا الطويبيّ عالم ثبت الحوى ... شرع الرسول وللحقوق يصونُ

عز القضاء بعفة وسياسة ... وبفصل أحكام إليه شؤونُ

الجامع الأسنى استنار بدرسه ... من للرواية أصلها مدفونُ

واأسفاً للوعظ مات بموت من ... قد كان منه للجهاد عيونُ

باهتْ به الخضراءُ توني مشرقاً ... بنفيسِ فهمٍ دره مكنونُ

يا ربنا أجزل قراء محمد ... وامنحه قصراً روضه مسكونُ

فلقد ألمّ بباب جودك راقياً ... يرجو لقاءك بالمنى مقرونُ

ناداه داعي الفضل بشرى أرخوا ... (مسكنه الفردوس فيه يكونُ)

[-٩- الشيخ عمر المحجوب]

هوالشيخ أبو حفص عمر بن القاسم بن الحاج المحجوب المساكني الشريف نشأ بين والده في طلب العلم، وكان ذكياً يحضر على والده مع أخيه مع أنه أصغر منه سناً وعلماً، ومع ذلك فإنّ والده يشهد له بفضل الذكاء، وقرأ على كثير من علماء ذلك العصر منهم الشيخ محمد بن حسين الهدة السويسي والشيخ محمد الغرياني وأجازاه بالإجازة العامة المطلقة وهذا نص إجازته الغريانية: أحمده حمداً معترفاً بالعجز عن إحصاء حمده، وأشكره شكراً مقراً بإحسانه ورفده، لأنه لاإله إلا هو وحده في ملكه، من اعتصم بحبله المتين أفلح فملك ومن شرد عن بابه الكريم خاب وهلك، وخير العباد من صدق التوجه إليه، واقتفى بكنه الإلهية في أمره كله عليه، وأصلي على سيدنا محمد نبيه الكريم وعبده وعلى آله وأصحابه، وعترته وأحبابه، وكل مؤمن ينتسب إلى بابه صلاة تفوق الإحصاء عدداً وفضاءً، وتملأ الوجود أرضاً وسماء، وتكون لحقهم الكريم منا أداءً، وأسلم كثيراً كذلك، والحمد لله على ذلك.

<<  <   >  >>