فما المرؤ إلاّ ما تزّود في التقى ... فذا في ثياب الفوز لا شكّ رافلُ
كهذا الذي امسى ضجيعاً إلى الثرى ... وأعرض عنّا والعيون هواملُ
هو السيّد الأتقى أبو النور من له ... بهمته العلياء طابت شمائل
عنيت السنوسيّ الذي عز ندَّه ... وصار وحيداً ما له من يشاكل
فتى كان في التوثيق بهجة عصره ... ومارئ في أقرانه من يماثل
وقام على طول المنارة قاضياً ... يؤم وبالتثبيت، والعدل حافل
إذا ما أتى يملي على الناس وعظه ... به من دموع الناس سالت جداول
على ذا استمرّت حاله وهو مكثر ... لأوراد ذاك (الشاذليّ) مواصل
إلى أن دعاه للضيافة ربّه ... فلبّاه بالإقبال والعفو سائل
يرجي نوالاً من سعادة مولد ... به آب للنعماء وهي جلائل
وهذا مآل الناس يا صاح أرخن ... (فسيح جنان الله عثمان نازل)
وأرخ وفاته الصفوة الذاكر الخير الماجد حامل كتاب الله الشريف الشيخ سيدي محمود جراد بقوله من الرجز: [الكامل]
هذا التقيّ الألمعي ومن به ... أهل المكارم بالوغى تزدانُ
هذا السنوسيّ العالمُ النحرير زد ... وهو الشريف واسمه عثمان
لاقى الإله تحبباً في مولد ... ففيه أرّخ وله الغفران
وكتب من مصر في التعزية لوفاته العلاّمة النحرير الماجد الشيخ سيدي محمد بن مصطفى بيرم أحد أعضاء المحاكم المصرية بما نصّه: ابني العزيز، وصديقي الحائز من مديح البسيط من قولي والوجيز، الفاضل النحرير، والبارع في التقرير والتحرير، الشيخ سيدي محمد السنوسيّ لا زالت مراهم معارفه لجراحات الجهالى توسي. أمّا بعد سلام زكي عاطر، وإناس لبساط التعزية ناشر، فقد ساءني خبر تفجّعكم بوفاة والدكم المبرور، هيأ الله له شامخ القصور، في جنات الحبور ودار السرور، وأمّا ما خلا الدعاء له بما ذكر والدعاء له بمزيد الصبر من شرح أفانين التعزية وضرب الأمثال في التسلية، فعلومكم بحمد الله لما ورد في السنّة حاوية، وليس ورائها بقية تتطلّب لا سيّما في أمور الدار الباقية، والله نسأل أن يجعل ذلك خاتمة ما ورد عليكم من الأكدار في هته الدار لا ربّ غيره وهو أرحم الراحمين والسلام من الداعي محمد بيرم لطف الله به في ١٢ ربيع الثاني سنة ١٣٠٣.
الزرقيّون
والدة والدي هي ابنة عم والده إذ هي خديجة بنت الشيخ أبي العباس أحمد زروق شقيق المولى الجدّ عليهما رحمة الله، وهو أحمد زروق بن عثمان بن محمد بن أحمد بن مهنية من حفدة الشريف سيدي عساكر رضي الله عنه، وقد توفيت الجدّة المذكورة أوائل سنة ١٢٦٤ أربع وستين ومائتين وألف، ووالدها ولد سنة ١١٨٥ خمس وثمانين ومائة وألف ببلد الكاف، وارتحل إلى تونس في طلب العلم فقرأ على الشيخ صالح الكوّش وغيره، وولع بالمعقول فبرع فيه براعة سبق فيها من عاصره وجلس للتدريس فأفاد وطلب من الأمير حمودة باشا أن يوليه الإشهاد مدّة اعتزازه فقدم إليه القصيدة ذات القصيدتين وأنشدها بنفسه بين يديه ولمّا أتم إنشادها قال له الأمير إنّي أعرف ما أنت عليه ولكن نخشى من اشتغالك بالإشهاد أن تترك التدريس بجامع الزيتونة، فقال له معاذ الل أن نترك خدمة العلم الشريف، وإنما نرجو أن نحصل على ما يعينني عليه فأمر له كتابة الأمر بالإشهاد عند ذلك ولم يرجع إلاّ وأمر ولايته بيده وقصيدته المذكورة من غرر القصائد وهي قوله: [الكامل]
ملك الملوك كفيت كلّ معاند ... نائي المدى وبلغت كلّ مراد
وأنلت كل مؤمن متباعد ... صعباً غداً وملكت كلّ قياد
أشكو إليك ولا تزال لقاصد ... علم الهدى لمن استجارك هاد
جور الزمان ولست فيه بواجد ... لي مسعداً متحقق الإسعاد
إلاّ نداك وفيه غنية رائد ... فغدا الندى وجدا الغمام الجادي
أأضام فيه وأنت أمنع ذائد ... لمن اعتدى وغنى العديم الزاد
وعلى نداك علاك أعدل شاهد ... كم قد هدى المحتاج للإشهاد
سدّت الملوك بعزّ ملك خالد ... متأبداً وسبقت كلّ جواد
وأثرت للأعداء صولة راشد ... راع العدا أسد من الآساد
حتى أحطت بكلّ باغ مارد ... شرك الردى في كل يوم طراد
وبقيت دين الله سوء معاند ... معتمداً ودفعت كلّ فساد