من للفصاحة حين كان أميرها ... شهدت إليه بطوعها البلغاء
من للبلاغة نثرها ونظامها ... فلها بنعيك حرقة وبلاء
من للمحافل حين كان رئيسها ... وجذيلها وله الوقار وقاء
من للمنابر بعد فقدك خاطباً ... لك في علاها رتبة القعساءُ
أبديت في غرر العلوم غرائباً ... عن مثلها تتقاصر الآراء
يا سيداً والفضل فيه سجيةٌ ... ما هذه الأهوال والأسواء
لك نسبة الشرف الزكي نفاسة ... شرفت به الآباء والأبناء
فاهنأ بخير وافر من راحمٍ ... ضمن الوفاء لمن له إدلاء
يفنى الزمان وطيب ذكرك في الورى ... باق عليك ونشرة فيحاء
فعليك من صفو الفؤاد تحية ... ما نوحت بفراقك الأدباء
وعلى محبك حسرة وتأسف ... حتى يطيب لمقلتيه بقاء
عظم المصاب بكم بقول مؤرخ ... (عظمت بفقدك عندنا الأرزاء
[١٠- الشيخ إسماعيل التميمي]
تقدم استيفاء ترجمته في المفتين، وقد تقدم لخطة القضاء في غرة أشرف الربيعين من سنة ١٢٢١ إحدى وعشرين ومائتين وألف وأقام في الخطة نحو الأربعة عشرة سنة، فزانها وامتحن فيها.
وتقدم إلى الفتيا وصار رئيس أهلها إلى أن توفي عليه رحمة الله آمين.
[١١-الشيخ أحمد بو خريص]
هو الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بو خريص من أبناء زاوية كرامت الشهيرة الشرف بجبل وسلات، وينتسبون إلى غوث الله الشيخ سيدي أبي مدين شعيب بن الحسين الأندلسي صاحب المناقب الشهيرة بتلمسان الذي توفي سنة ٥٩٤ أربع وتسعين وخمسمائة. وقد وقفت على شجرة شرف لأحد أبناء زاوية كرامت التي ينتسبون إليها الآن وبه يتصل شرف عبد الرحمن بن محمد المديوني ابن إبراهيم بن عمر بن علي بن سالم بن علي بن أحمد بن قاسم وذكر فيها أن المديونيين من الأشاف على فرق، منهم فرقة بتلمسان ومنهم فرقة في تونس وفرقة في باجة، وأن جدهم الذي يتصلون به هو أبو محمد عبد الله المديوني ابن محمد بن علي بن قاسم المذكور آنفاً.
ثم إن قاسماً هو قاسم بن سالم بن عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن عبد المطلب اللطيف بن محمد بن عبد الله بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن الصبط بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان تاريخ الرسم المذكور أواسط جمادى الأولى سنة ١٢٠٢ اثنين ومائتين وألف ممضى بختم الشيخ عبد الكبير الشريف نقيب الأشراف بتونس.
أما ولادة صاحب الترجمة فكانت بوسلات سنة١١٥٦ ست وخمسين ومائة وألف.
ولما أجلى الباشا أهل جبل وسلات من مكانهم وأخلاه سنة١١٧٥ خمس وسبعين ومائة وألف قدم مع والده إلى حاضرة تونس، وتوجه لخدمة العلم الشريف، وقرأ على الشيخ محمد الشحمي والشيخ صالح الكواش والشيخ محمد الغنجاتي والشيخ محمد الغرياني والشيخ عبد الله السوسي وولده الشيخ محمد الأوسط وغيرهم من علماء ذلك العصر حتى تضلع من علوم الدين.
وتصدى للتدريس فأقرأ الفقه والفرائض والعلوم العقلية بجامع الزيتونة والخلوة المحرزية الكائنة قرب رحبة الغنم.
وتصدى للإشهاد فنال في التوثيق أكمل رتبة وتقدم إماماً وخطيباً بجامع الحلق خارج الباب الجديد وخطب فيه الخطب البليغة من إنشائه.
ثم قدمه لأمير محمود باشا لخطة القضاء تاسع ربيع الثاني سنة١٢٣٠ ثلاثين ومائتين وألف فوسع الناس إنصافاً وعدلاً، ولم يقبل خصماً في داره، ماتزم الحكم بدار القاضي في مدة ولايته الوجيزة حيث إنه لم يستكمل الأربعة الأشهر. واستحال نور بصره إلى بصيرته فاستعفى من الخطة في أواسط رجب من تلك السنة وأقبل على شأنه في التدريس، فبذل فيه نفائس العمر النفيس.
وكان مرجعه في عويصات المسائل هو ضريح الشيخ القرجاني فيفتح عليه هنالك بحلّ ما يُشكل، وقد حكي عنه في بعض المرار فتح عليه بمجرد عزمه على التوجه إلى الشيخ القرجاني، فرقص من ذلك طرباً بما وجده من لذة المسألة.