للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو أبو النخبة الشيخ مصطفى بن محمد بن حسين بن إبراهيم البارودي، فرع شيخي الإسلام. قرأ على والده وعلى شيخ الإسلام البيرمي الثالث والشيخ صالح الكواش وغيرهم من علماء ذلك العصر، وتقدم على صغره إماماً ومدرساً بالجامع الباشي سنة ١٢٠٧ سبع ومائتين وألف، وكان ضعيف البدن متمارضاً. ولما توفي والده قدّمه الأمير حمودة باشا إلى جميع وظائف والده من مشيخة المدرسة الشمّاعية وخطبة جامع باردو وإمامة الجامع الباشي والفتيا يوم الجمعة الموفي عشرين من ربيع الثاني عام ستة عشر ومائتين وألف والمرض يومئذ يصاحبه فأقام على تلك الوظائف. وكان ذكياً عالماً فقيهاً فصيحاً حسن الصورة خيّراً إلى أن عاجله الحمام رطباً فتوفي ليلة الثلاثاء السابع عشر من شعبان الأكرم عام ١٢١٩ تسعة عشر ومائتين وألف، وقد رثاه شاعر عصره العالم الشريف الشيخ أحمد رزوق الكافي قاضي المحلة بقوله: [الطويل]

على النيّرِ المكنونِ في طيّ أكفانِ ... بدورُ العلا تبكي دماملَ أجفانِ

بها ما دها العلياءَ من فقد مصطفى ... وأسمى بينها من هموم وأحزان

سقى جدثاً واراهُ واكفُ رحمةٍ ... وروّاهُ من سحب الرضا صوب هتّان

على مثل ذا المفتي الجليل تأسّفي ... يجدّد مهما قد تولّى الجديدان

فتى كان كالنعمان فقها وإنما ... بلاغته أبدته في شكل (سحبان)

وكان خبيراً بالنوازل عالماً ... بمبدأ كل من حديثٍ وقرآنِ

فلو شاء أفتى في العلوم برأيه ... ولكن أبى الإفتاء إلا ببرهان

فمنْ للعلا من بعد فقدان بدرها ... أصيبتْ إذاً في العين منها بفقدان؟

ومن لعلوم الدين بعدَ أفوله؟ ... وما كان إلا شمس رشد وتبيان؟

وأن يبكي المحرابُ والمنبرُ الذي ... علاه فمن شجو بكاه الجديدان

مضى مصطفى البارود (ي) والمجدُ مصطفى ... وحيداً من الأشباه ليس له ثانِ

وكان الغنى للعادم المال والمنى ... [تجود له] يمناه والقصد للعاني

وما عاد من نشر الفخار لطيّه ... فإن غاب والآثار منه لإعلان

ولكن إلى المولى أناب فخصّهُ ... بطيب رضا أوفى وعفو وغفران

لذلك لما مات قلت مؤرخاً ... (لمفتٍ منيفٍ مصطفى طيبُ رضوان)

[٢٠ الشيخ أحمد البارودي]

هو الشيخ أبو العباس أحمد بن حسين بن إبراهيم البارودي تربى في حجر العز والترف، وحمل على كواهل العلوم إلى أعلى الغرف، فقرأ العلم الشريف والده ورافق أخاه شيخ الإسلام في القراءة على شيوخه، وانفرد بالقراءة على الشيخ محمد بيرم الأول فقرأ عليه قطعة من الأشموني وقطعة من الملتقى وقرأ على الشيخ محمد الشحمي شرح التهذيب للخبيصي.

ثم جلس للتدريس فأجاد بتقرير عذب، ولسان غضب، ولي الإمامة والخطبة بالجامع الجديد بعد وفاة والده في ذي القعدة الحرام سنة ست وثمانين ومائة وألف، ثم ولى تدريس المدرسة الجديدة والمدرسة العنقية. ما شئت من فصاحة لسان، وحسن بيان، وترتيل في تلاوة القرآن، وحسن رواية لأحاديث سيد ولد عدنان، يسحر الألباب بثاقب فهمه، ويرمي الأغراض فلا يخطئ صائب سهمه، وله قريحة في نظم الشعر، مع الثروة التي تنعم بها وتجمل منها بفضل العطاء والإهداء الذي استرق به الأحرار من ذوي النهي.

وله همة عالية، ومفاخر غالية، يركب الخيل بالسروج المحلاة ويلبس أفخر لباس. خرج للتداوي بحمام الأنف فأرسل إليه الوزير يوسف صاحب الطابع ألف محبوب فرد بها الرسول وقال له قل لسيدك لو أرسلت لنا مركوباً أو مملوكاً لقبلناه منك هدية أما المال فإنّا والحمد لله عندنا ما يكفينا فيمكنكم أن تتفضلوا به على من هو محتاج إليه. وقد راوده الأمير حمودة باشا على خطة الفتيا عدة مرات وهو يمتنع ويقسم أن لا يقبلها ويقول له إنه عنده ولله الحمد ما يغنيه عن تحمل أخطارها.

<<  <   >  >>