الحائز الآثاروالمنح التي ... ما نالها قط الأديب المصقع
نجم الدروس ومن إذا وقف الور ... ى في المعضلات فهوّ هوّ المرجع
جرعت بفرقته البرية كلها ... لا سيما البيت العتيق الأجمع
أضحى بدار جاره خير الورى ... طه البشير الهاشمي الأرفع
فعليه صلى الله ماقد انشدوا ... كل امرئ للموت حقاً يرجع
[الشيخ أحمد بن نصر]
هو شيخنا أبو العباس أحمد بن نصر التاستوري قدم لتونس في طلب العلم، فقرأ على أعلام الشيوخ كالشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ محمد بن الخوجة، وحصل على ملكة مهمة فتصدى للإقراء، وواظب على التدريس بجامع الزيتونة باعتناء زائد في إيصال المبتدئين حتى أنه لا يتأخر عن درسه أحد ممن قصد التعليم. وتقدم لخطة التدريس بجامع الزيتونة فكان من فضلاء المدرسين.
وتقدم عضواً في المجالس القانونية فأنكر العامة تقدمه لما يعهدون من ديانته ونهيه عن مثل ذلك، ثم بعد بطلان المجالس رجع إلى ما عهد منه في دروسه.
وقد قرأت عليه النصف الأول من كفاية الطالب وشرح المكودي على الألفية إلى الفاعل ودروساً أخر قليلة.
ثم سافر لحج بيت الله الحرام وعاد من هنالك مريضاً مرضاً يتداول عليه بالإسهال في غالب الأحيان حتى منعه من المواظبة على الإقراء واستمر على ذلك بضع سنين وهو مهيب، أكثر شغله بالحديث.
وكان، عالماً فاضلاً مشاركاً في كثير من الفنون خيرأن حييأن محباً حسن السكينة، لا يتجاوز الجامع إلا إلى داره قرب باب الخضراء واقرأ بمسجد هنالك كثيرأ بين العشاءين وقبل صلاة الصبح سنين متطاولة فلازم التدريس إلى أدركته المنية فتوفي في ذي الحجة الحرام سنة ١٢٩١ إحدى وتسعين ومائتين وألف وقد ارخت وفاته بقولي: [المتقارب]
هل تقتدي الأمة مستبصرة ... على جيوش النصر مستنصره
كما قد رأينا ابن نصر الرضى ... أحمد ما أن عدا مفخره
قد عم بالنفع أهل النهى ... وأسدى بتعليمه انضره
فكانت دروسه بين الورى ... بتحرير أفهامه مخبره
فعمّر في خدمة العلم مع ... تقى الله في كل ما عمره
إلى أن أصيب بآلامه ... سنين بها كان ما أصبره
فريء له صبر يعقوب من ... رضاه بما الله قد قدره
ولما قضى نحبه عن رضى ... تراءت به الحور مستبشره
وسار إلى الله يرجو الجزا ... فقل إن تؤرخ "له المفغرة"
[الشيخ محمد الأمين بن الخوجة]
هو شيخنا أبو عبد الله محمد الأمين بن حمودة بن أحمد بن حمودة بن محمد بن الحاج علي خوجة. قرأ والده الشيخ أحمد بن الخوجة، وعلى أخيه الشيخ محمد بن الخوجة وعلى الشيخ محمد بيرم الثالث واشتغل بالتجارة في الزيتون، وكان خيرأن فاضلأنزكي النفس، توفي سنة ١٢٥٨ ثمان وخمسين ومائتين وألف عليه رحمة الله، آمين. وارّخ وفاته الشيخ محمد بيرم: [الطويل]
أجل في صروف الدهر معتبراً طرفا ... فقد خطّت الأيام من معظها صحفا
وحسبك منها واعظ الموت إنّه ... لأكثرها وعظاً وأبنها كشفا
عجبت لمغرور ترامت بلبه ... أكفّ الأماني وهو ينتظر الحتفا
فما الحزم كل الحزم إلاّ لمعرض ... عن العرض الفاني وهن له خلفا
كحمودة بن الخوجة الفذ من ثوى ... بباطن هذا الرمس يرجو به الزلفى
قرين العفاف المحض من شهدت له ... بنو عصره أن لا نظير له يلفى
سليل الهمام الجهبذ الفرد أحمد ... وحبر العلا مفتي الورى المنهل الأصفى
مضى طاهر الأثواب من كل شائن ... وأبقى ثناء طاب ترديده عرفا
فحقق إلهي فيه قول مؤرخ ... (حوى من نعيم الخلد والمفخر الوصفا)
وقد ولد ولده صاحب الترجمة ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١٢٣ ثلاث وثلاثين ومائتين والف، فأدرك جده وقص من خبره معه أنه كان في بعض الأيام واقفاً عند باب بيتهم يخاطب اهله ويده مسندة بعارضة الباب وإذا به يسقط عقد سبحة بيده، وكان حفيده واقفاً عند رجليه فقال له على صغر سنّه كيف أنت تخاطب جدتي وأصابعك تسبّح فقال له يا ولدي غني أذكر الله بقلبي وأخاطب والدتك بلساني ثم بكى وحمله وقبّله.