وقرأ على لاشيخ أحمد الأبي الفاكهي وقطعة من الأشموني، وقرأ على الشيخ محمد بن الخوجة السعد والمكودي والدرر، وقرأ على الشيخ محمد بيرم الثالث النصف الثاني من السعد ودروساً من الدرر، وقرأ على الشيخ عبد الرحمن الكامل السعد على العقائد النسفية.
وتصدى للتدريس فأفاد الطالبين وتقدم لخطة التدريس في الرتبة الأولى ايتداء عوض الشيخ محمود بن باكير عندما تقدم الشيخ لخطة القضاء ولازم التدريس بجامع الزيتونة.
وتضلع في العلوم الفلكية وأحكام التنجيم وصدق عمل النصية منه مع الشيخ الخضار والشيخ عثمان النجار في كثير من الوقائع ولمّا ولي المشير الثاني محمد باشا وظهر من صهريه شيخ الإسلام وأخيه المحتسب تصرف في أمور كثيرة عمل في تلك نصبة وأخبر بقرب تقشع ذلك الأمر، وبلغ ذلك إلى شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الرابع وكان يومئذ قد ألزم جميع المدرسين بلبس الزمالة ولصاحب الترجمة ألم برأسه امتنع بسببه عن لبسها فأحضره في بيته وعنفه وأغلط عليه القول في شأن لبس الزمالة حتى قال له كيف لا تلبس الزمالة وأنت رجل تحكم يعني الأحكام التنجيمية إلى غير ذلك مما هو غير وعند فراغه من ذلك المجلس توجه للأمير وطلب خطة الكتابة، واستعفى من خطة التدريس، فآثره خصوصياً في بيته وذلك سنة إحدى وسبعين ونال عنده الحظوة التامة.
وبعد وفاة مخدومه أقام على الكتابة بديوان الإنشاء وتطور به لاحال إلى أن أدركه ضعف البدن فلازم جبل المنار سنين متطاولة لحسن الهواء وتعفف عن إعمال النصبة حتى أن وزير تونس مصطفى بن اسماعيل ذهب إليه وطلب منه العمل فلم يجبه، وقد رأيت منه مع ذلك محاسن أفهام مبنية على قواعد حسابية مختلفة. أدركته وهو من القناعة والظرافة واللطافة بمكان عظيم مع علو الهمة والخيرية والفضل، إلى أن توفي في جبل المنار يوم الأحد ودفن يوم الاثنين الخامس عشر من ذي الحجة الحرام سنة ١٢٩٨ ثمان وتسعين ومائتين والف ودفن جوار قبر الست ميمونة قرب الناظور، عليه رحمة الله.
وممن ولي التدريس الشيخ أحمد بيرم وكانت ولادته بعد زوال يوم السبت من المحرم سنة ١٢٣٥ خمس وثلاثين، وقرأ على فحول شيوخ عصره، ونبغ في الأدب والشعر وتقدم للتدريس في الرتبة الثانية في المولد النبوي سنة ١٢٦٥ خمس وستين، ثم ارتقى للرتية الأولى في ١٨ جمادى الثانية ١٢٧١ سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف، وولي وكالة جامع المكنين في ٩ صفر عام ٧٢ وعضواً في المجلس الأكبر في ١٠ شعبان سنة ١٢٧٨، وله ديوان شعر رائق وغزل فائق. وتوفي في ربيع الأول سنة ١٢٨٠ ثمانين ومائتين وألف.
وقد أدركت من الشيوخ المالكية الشيخ محمد النفطي والشيخ محمد المارزي، والشيخ سليمان التبرسقي كلهم مدرسون في الرتبة الأولى. ومن الشيوخ الحنفية الشيخ محمد برناز، والمجود الشيخ محمد الستاري، والشيخ حمودة قلايجي، والشيخ مصطفى بن الطيب، والشيخ محمد الأبي كلهم في الرتبة الأولى، والشيخ الحاج محمد بن حمدة بن مراد توفي بعد غروب ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة ١٣٠١ إحدى وثلاثمائة وألف عليه رحمةالله. وممن مات في الرتبة الثانية الشيخ حسونة الشحيح المالكي، والشيخ عبد الرزاق الجزيري، والشيخ مصطفى الأبي عليهم رحمة الله.
وهكذا تنقلت خطة التدريس بجامع الزيتونة من عالم حتى كانت اليوم بيد علماء العصر وهم الثلاثون الآتي بيانهم الشيخ الأمين بن الخوجة، والشيخ محمد الشاهد، والشيخ أحمد كريم والشيخ محمد النيفر. والشيخ حسونة عباس والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ الطيب السبعي، والشيخ محمد بن مصطفى خوجة إمام المحلة، والشيخ الحاج العربي المازوني، والشيخ مصطفى رضوان، والشيخ عثمان الشامخ، والشيخ محمد النجار، والشيخ الشاذلي بن القاضي، والشيخ الطيب النيفر، والشيخ محمد بن إسماعيل بن محمود، والشيخ البشير التواتي، والشيخ الشاذلي بن مراد، والشيخ حسين بن أحمد بن حسين، والشيخ محمود بن اسماعيل بن محمود، والشيخ الصادق الشاهد، والشيخ أحمد بن محمد بن مراد إمام مسجد حمودة باشا. وحيث إن محط نظر هذا المقصد هو التعريف بالشيوخ أساتيذي رضي الله عهم فإني نذكرهم على حسب مراتبهم في تاريخ ولاية التدريس رضي الله عنهم أجمعين.