أما ولده حسين فقد حج بيت الله الحرام وتزوج بإحدى بنات الشريفة حسينة بنت محمد بن أبي القاسم بن محمد بن علي بن حسن بن أحمد الشريف إمام مسجد دار الباشا، ومنها كان ولده الشيخ أبو محمد حمودة وكان عالماً فاضلاً ثقة خيراً قدمه الأمير علي باشا باي إماماً بسراية باردو لإقامة الخمس ورواية البخاري وقدمه لإقراء ولده لأمير حمودة باشا العلم الشريف فتصدى لذلك ولازم سكنى باردو المعمور، وبسبب ذلك لم يستمر على الإقراء بجامع الزيتونة وكانت عنايته بإقراء الأمير ابن الأمير وتربيته وحصل بذلك على إقبال عظيم من لخاصة والعامة مرموقاً بعين الإجلال يأتيه الفقهاء للتهنئة بالمواسم العيدية لمكان علمه وجاهه. ولم يزل على جلالته إلى أن توفي ليلة الجمعة الرابع العشرين من ذي الحجة الحرام سنة عشرين ومائتين وألف وحضر ابنه الروحي الأمير حمودة باشا جنازته مع سائر أل بيته وشيعها راجلاً إلى المقبرة وهو يطيل البكاء والنحيب في ذلك المشهد العام بروراً بشيخه وشيخ تربيته وبذلك اكتسب فخراً في الوفاء وحسن العهد والبرور لم يعهد مثله بحيث إن المجامع قضت أياماً تروي حديث ما وقع من الأمير مع شيخه رحم الله جميعهم.
ثم كانت ولادة صاحب الترجمة أواخر رمضان سنة ١١٨٢ اثنتين وثمانين ومائة وألف ونشأ بين يدي أبيه مرموقاً برعاية ابن تربية أبيه الأمير حمودة باشا وكان به حفياً، وأخذ العلم عن والده أولاً ثم عن علماء جامع الزيتونة منهم شيخ الإسلام البيرمي الثاني، والشيخ صالح الكواش. وغيرهم، وحصل على الملكة في المعقول والمنقول، وتصدى للتدريس بجامع الزيتونة. ولما توفي والده قدمه الأمير حمودة باشا لإمامة الخمس بمسجد دار الباشا صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة ٢٠ عشرين وقربه وآواه فجبر صدع فقد أبيه وغمره بعطائه وأقام على الوفاء ببر شيخه مع ابنه هو وأخوه الأمير عثمان باي وبانقراض دولته عزل عن الإمامة المذكورة رحم الله جميعهم.
ثم إنه تقدم للإمامة بجامع القصر وتقدم مدرساً في المرتبة الأولى عند وضع الترتيب الأحمدي أواخر شهر رمضان المعظم سنة ١٢٥٨ ثمان وخمسين ومائتين وألف ولازم التدريس بجامع الزيتونة.
وتقدم لخطة القضاء فباشرها بدين وعلم نحو الأربع وسنين.
ولما توفي الشيخ الدرويش أولاه المشير الأول أحمد باشا باي الفتيا فتقدم مفتياً خامساً صبيحة يوم السبت الحادي عشر من ذي القعدة الحرام سنة ١٢٦٢ اثنيتن وستين ومائتين وألف فجمع بين إمامة وخطبة وتدريس وقضاء وفتيا. وحمد في جميعها على ما له من حسن المحاضرة والأدب وإجادة نظم الشعر وسرعة الجواب وثقة النفس وكرمها وعلو الهمة والأمانة والصيانة وحفظ المروءة وحسن الخلق مع الفقه والتفنن في العلوم والديانة إلى أن أتاه الأجل المحتوم فتوفي أوائل ربيع الأول سنة ١٢٦٧ سبع وستين ومائتين وألف.
[٣٠]
[الشيخ محمد عباس]
هو الشيخ أبو عبد الله محمد ويدعى حمدة بن محمد بن محمد بن محمد عباس الحنفي أصلهم من بلد مورة واشتغل آل بيته بصناعة الشاشية بحاضرة تونس حتى صاروا من أعيان أربابها.
وولد صاحب الترجمة سنة ١٢٠٩ تسع ومائتين وألف، ونشأ بين يدي والده وجود القرآن العظيم بالعشر على الشيخ محمد السقاط وقرأ عليه كتب مبادئ النحو، وقرأ على الشيخ أحمد اللبي شرح العيني على الكنز، وقرأ على الشيخ الطاهر ? بن مسعود شرح الأشموني على الألفية ومختصر السعد، وقرأ على الشيخ ابراهيم الرياحي تفسير القاضي البيضاوي وشرح البخاري، وقرأ على غير هؤلاء كالشيخ الحاج الشاذلي بن المؤدب وحصل على الملكة فقرأ بجامع الزيتونة وتقدم للإمامة بجامع القصبة سنة ١٢٤٨ ثمان وأربعين ومائتين وألف فزان المحراب والمنبر بحسن تلاوته وفصيح خطبته.
وتقدم في الرتبة الأولى بجامع الزيتونة عند وضع الترتيب الأحمدي في شهر رمضان المعظم سنة ١٢٥٨ ثمان وخمسين فتصدى للإقراء وأفاد الطالبين.