ولي رحمه الله خطة الإشهاد بالحاضرة سنة (١٣١٨) وكانت تبعاً للحصول على شهادة التطويع، وفي ذي القعدة سنة (١٣٣١) ولي مدرساً في الطبقة الثانية، وفي شهر ربيع الأول سنة (١٣٣٢) ولي مدرساً من الطبقة الأولى، وفي سنة (١٣٣٩) ولي الإمامة والخطابة بجامع باب البحر ورواية الحديث بمدرسة بئر الحجار خلفاً عن والده. وفي سنة (١٣٤١) تم العزم على تسميته عضواً حاكماً بالمجلس المختلط العقاري بإحياء الخطة التي كان يتقلدها المرحوم العالم الشيخ محمد المختار شويخة وكانت موقوفة من يوم وفاته سنة (١٣٣٤) ، وأعلمت الحكومة رئيس المجلس المختلط بهذا ووافقها وتعين ميعاد تنصيبه، ولكن الحكومة تغير عزمها فقلدته قضاء الجماعة في اليوم الذي عين لتنصيبه بالمجلس المختلط وكان هذا في رجب سنة (١٣٤١) ، واضطلع رحمه الله بعبء القضاء، فقد كان فقيهاً جليلاً واسع الاطلاع على النصوص بصيراً بأمر تنزيلها على الحوادث، ماضي العزم. وظل يباشره نافذ الأمر والنهي عزيز الجانب إلى أن تخلى عنه في ذي القعدة سنة (١٣٤٧) .
[مؤلفاته]
كتب رحمه الله بضعة تعاليق نفيسة على أبواب من صحيح البخاري قام بها دروساً بمدرسة بئر الحجار وجامع باب البحر في مواعيد أختامهما، وكان يترك الكتابة في الأكثر ويكتفي بمطالعة ما يعين على فهم الحديث ثم يقوم بذلك كله درساً يفهمه العامة ولا يستغني عنه أحد من الخاصة وجرى على هذه الطريقة في أيام ولايته القضاء لتزاحم أعماله عليه ولم يكتب في هذه المدة إلا سنة (١٣٤٢) وهي السنة التي عني المقدس المولى محمد الحبيب باشا باي بحضور بعض مجالس أختام الحديث الشريف. ومنها مجلس ختم الشيخ بجامع باب البحر فكتب تعليقاً جليلاً محرراً على باب كلام الرب مع أهل الجنة من صحيح البخاري أبدع فيه ما شاء الله أن يبدع. وفي أواخر سني حياته أقبل على المطالعة والكتابة وزاد شغفه بالحديث وكتبه وترك فيه تقاييد نفيسة جليلة وقد كتب في بضعة أعداد من المجلة الزيتونية فصولاً في وضع الحديث ولم يتمها، وله حاشية على التاودي قيمة.
[أخلاقه]
كان رحمه الله متواضعاً بشوشاً وفياً نصوحاً، ولتلاميذه حب جم فيه غرسه في قلوبهم نصحه لهم وإخلاصه في تربيتهم وتعليمهم، عزيز النفس، قوي العزيمة.
[مرضه وموته وموكب جنازته]
كان رحمه الله مصاباً بداء ضعف القلب منذ أمد بعيد وكان أثره فيه خفياً، ولم تظهر أمارته عليه إلا في السنين الأخيرة وهو يغالبه بجلده وصبره، وكان يشعر في آخر عمره بدنو الأجل وتصرّم حبل الحياة، وقد كتب رحمه الله وصية بخطه عهد تنفيذها إلى بنيه وأودعها ما يحب أن يكون في غسله وتكفينه وحمله وتشييعه والصلاة عليه ودفنه ولم يخرج في شيء مما أوصى به عن محيط السنة ومن مظاهر بر بنيه بعد موته أن نفذوها كما عهِد إليهم. وكان موكب جنازته من المواكب النادرة شاركت فيه طبقات الأمة كافة آسفة حزينة ولاسيما تلاميذه على وفرة عددهم، وصلي عليه بالمقبرة طبق وصيته ودفن في تربة سلفه بالزلاج.
نسأل الله أن يتغمده برحمته ورضاه وأن يجعل من بنيه خير معز عنه يبقي ذكره ويعمر بيته إن ربي قريب مجيب.
وكتبت مجلة الهداية الإسلامية في عددها ٩ من المجلد ١٠ الصادر بالقاهرة في شهر ربيع الأول سنة (١٣٠٧) ما يأتي وهو بقلم صديق صاحب الترجمة الستاذ العلامة الشيخ خضر حسين تحت عنوان:
[مصاب تونس بوفاة عالم جليل]
أصيبت تونس بوفاة العلامة الجليل صديقنا الأستاذ الشيخ السيد محمد الصادق النيفر قاضي القضاة بتونس سابقاً، فقد كان الأستاذ رحمه الله أحد النوابغ الذين أنبتتهم الجامعة الزيتونية نباتاً حسناً وكان له فضل كبير في النهضة العلمية الحديثة وقد قدرت الجمعيات العلمية والأدبية في تونس قدر الأستاذ الراحل فأقاموا له عند مرور أربعين يوماً على وفاته حفلة تأبين ألقى فيها كثير من العلماء والأدباء خطباً وقصائد أتوا فيها على ما كان للفقيد من غزارة علم وسمو أخلاق وجهاد في سبيل الحركة الوطنية السياسية.
وكانت لجنة هذه الحفلة أشعرت رئيس تحرير هذه المجلة بما عزمت عليه من تأبين صديقه الأستاذ فاختار أن يشارك في تلك الحفلة بكلمة في صلة الصداقة التي انعقدت بينه وبين الأستاذ رحمه الله وبعث إلى اللجنة المكلفة بالكلمات الآتية: