هو الأمير أبو النور عثمان بن علي بن حسين بن علي تركي، ولد ليلة الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وسبعين ومائة وألف، وتربى في حجر اعتناء أبيه وعز دولة أخيه إلى أن توفي أخوه فاجتمع خاصته ورجال دولته للمشاورة فيمن يقدمونه للولاية حيث إن الملك يستحقه ابن عم أميرهم وهو أكبر الموالي سناً ونفوسهم منبعثة إلى غير ذلك فاجتمع هنالك صهر الأمير المفتي الشيخ الحاج أحمد البارودي، ووزيره يوسف صاحب الطابع، ورئيس الكتاب الشيخ محمد الأصرم، ومن حضر هنالك لموكب ليلة العيد، وعند اجتماعهم استقدموا الموالي الكرام، فجلسوا على حسب مراتبهم، وكان أبناء صاحب الترجمة وشيعته متقلدين سلاحاً خفياً وهم متأهبون للحرب، وقدم ابنا عمهم وبنوهما على حالة أمن، ولما انتظم مجلس اجتماعهم بادرهم الوزير يوسف صاحب الطابع بالتعزية والتسلية، ثم استشار جمعهم فيمن يقدمونه للولاية، فأجابه أكبرهم سناً وأعلاهم مجلساً وصاحبها استحقاقاً المولى محمود باي بقوله. إن الأمر واضح، وإنما الخيار بأيديكم في المبايعة، فانتهزها منه فرصة وقال. إنما يرث الميت أخوه، وعجل بالبيعة إلى صاحب الترجمة، وتبعه على ذلك شيعته وتمت له البيعة.
وأصبح على كرسي المملكة بذاته والتصرف بيد بعض المسارعين لبيعته حتى آل الأمر إلى استبدادهم عليه، وكاد أمر الدولة أن ينحل غير أن مدة ولايته كانت خصبة وكثر فيها الرخاء والأمن وعندما رأى أبناء عمه أشراف الدولة على خطر الانحلال أجمعوا على خلعه فخرجوا إليه ليلاً مع من قام بنصرتهم، وما الله مريد ظلماً للعالمين، فدخلوا عليه واستشهد بعد هرج أطار نوم تلك الليلة. ومن الغد قتل ابناه صالح باي وعلي باي. وسجن مولوده تلك الليلة محمد باي. وكانت ليلة قتل الأمير المذكور ليلة عاشوراء من المحرم الحرام سنة ثلاثين ومائتين وألف ودفن هو وابناه بتربة والده عليهم رحمة الله.
[٧- المولى محمود باشا باي]
[١١٧٠ ١٢٣٩] هو الأمير أبو الثناء محمود بن محمد الرشيد بن حسين بن علي تركي، ولد سنة سبعين ومائة وألف وتربى في حجر عناية عمه مضموماً إلى بنيه، وكان هو أكبرهم سناً وهو المقدم عليهم في استحقاق الملك غير أن عمه آثر لوراثة الملك من بعده ولده أبا محمد حمودة باشا فغض الطرف عن ذلك حياءً من عمه وكظم غيظه. ولما انقضت دولة ابن عمه المذكور لم يحتسب أن في رجال الدولة من يؤثر الحيف فكان من أمرهم ما كان في تقديم أبي النور عثمان باشا وعند ذلك أيقن أن المآل هو غصْب حقهم في ملك أبيه وجده، ثم رأى من اختلال الدولة ما أكد له تهمة اغتيال الدولة حيث رأى أنها صارت طُعمة لكل متناول فجمع أمره ونهض هو وأخوه معتضداً بابنيه وتسلم حقه في ملك أبيه بعد استشهاد ابن عمه ووقعت له البيعة صبيحة يوم عاشوراء سنة ثلاثين ومائتين وألف ولم يختلف اثنان في مبايعته فباشر أمور الدولة بلين ورفق وحسن صنع.
وحيث إن الإمارة أتته على كبر السن واعتراض المرض فوض الأمر لابنه وتخير الإقامة جوار سيدي أبي سعيد الباجي بجبل المنار والتنزه في المرسى وأحدث فيها أبنية. وقد ثار عليه جند الترك سنة إحدى وثلاثين واجتمعوا ببطحاء القصبة، وقدموا أحد أشقيائهم فتهاون الأمير بشأنهم وتركهم في ظلماتهم يخبطون فلم يستكملوا اليوم الثاني حتى اجتمعوا لديه، وقتل منهم من استحق القتل وأدرك من خرج وعمّ الباقين بحلمه وعفوه وكفى الله المؤمنين القتال.
وقد بنى الأبنية الباذخة، وشيد من فضله القواعد الراسخة، فأقام كثيراً من المشاهد والزوايا وأنفق الأموال العظيمة في جلب الأقوات الكافية لسد خلة المملكة في مجاعة عام ستة وثلاثين وعقد الصلح مع الجزائر بشروط مرضية وتم انعقاده في جمادى الثانية سنة ست وثلاثين.