لكنا ادعينا أنه سيبويهِ وال? ... كتاب المسمى بالكتابِ كتابه
وعلم المعاني قد تكرَّعَ نهره ... وكان له يا صاح عذباً شرابه
وما احتجت البحث العويص وجئته ... لعمرك إلا زال عنه احتجابه
فعن فضله حدث عن البحر إنه ... لبحر ولكن بالمعاني انسيابه
فكيف وللعلم الشريف انتماؤه ... وللمصطفى المختار كان انتسابه
عليه صلاة الله ما قال مغرم ...
خليليّ هل صب يحق عتابه
وكان مصاهراً لآل الشريف إذ تزوج ببنت منهم ولما توفي دفن بتربتهم الشهيرة بأعلى الجلاز وكانت وفاته سنة إحدى وسبعين ومائة وألف وقد أرخه الشيخ أحمد سمية الكاتب بقوله: [مجزوء الكامل]
هذا الضريح لمن غدا ... تحت التراب مشيبه
في خدمة العلم الذي ... قد كان فيه غريبه
هو أحمد المكودي من ... ملأ الذكاء جيوبه
قد قيل في تاريخه: ... (صرف الإله ذنوبه)
[٢٣]
[الشيخ قاسم المحجوب]
هو الشيخ أبو الفضل قاسم بن الحاج المحجوب الشريف المساكني وبها ولد، وقدم إلى تونس في طلب العلم الشريف ونزل بالمدرسة المنتصرية، فقرأ على أعلام عصره، وجهابذة مصره، بجامع الزيتونة وهو يومئذٍ عامر بأعلام العلماء، منهم الشيخ محمد الخضراوي والشيخ علي سويسي وغيرهما، وقرأ على الشيخ محمد الحرقافي فأخذ من معقول العلوم ومنقولها ما بلغ به إلى رتبة في العلم عالية وحفظ القرآن كرامة للشيخ أبي سعيد الباجي وذلك أنه توفي أحد طلبة حزب المدرسة وكان الشيخ لا يحفظ القرآن ورام ذلك الطريق لنفسه لماله من الحاجة إليه فخرج لجبل المنار رافعاً أمره إلى الباجي ونام عند ضريحه فرأى الشيخ في نومه وهو يعلمه القرآن وأنه استكمل حفظه وتكراره، ولما استيقظ وجد نفسه حافظاً فقصد الرجوع إلى تونس وهو يكرر القرآن حتى استكمله وعند ذلك ذهب لشيخ الحزب وطلب ذلك الوظيف وعرض نفسه لاختبار حفظه فتلا عليه القرآن كله بعد أن لم يكن يحفظه على ذلك الوجه المتقن، وأخذ ذلك الوظيف وقد ذكره الشيخ حمودة في تاريخه في علماء الحاضرة حيث قال: ففيها اليوم من الجهابذة النقاد والفحول الذين تضرب إليهم أكباد الإبل جماعة لا يشق غبارهم ولا يجارى مضمارهم كشيخنا المفتي أبي الفضل قاسم المحجوب المساكني حافظ المذهب المالكي بالغرب هـ?.
وكان في مبدأ أمره حظي بعناية من الولي الصالح الشيخ قاسم السبابطي حيث عرض عليه طعاماً مكدراً مضت عليه ليال متعددة فعمد إليه وأكل منه ملعقة أولى ملآنه وتناول الثانية مثلها ثم تناول الثالثة مشمئزاً فكانت ناقصة وكان ذلك ثالث سلسلته العالم الشيخ محمد بن محمد بن قاسم المحجوب على ما يأتي ذكره.
وقد زان الشيخ الخطط العلمية تدريساً وخطبة وفتيا إلى أن صار كبير أهل الشورى من العلماء المالكية ودروسه يومئذٍ هي زينة جامع الزيتونة ولما ختم المختصر الخليلي سنة ١١٧٢ اثنتين وسبعين ومائة وألف امتدحه شعراء تلامذته الأعلام بقصائد غراء ومن ذلك القصيدتان اللتان أنشأهما الشيخ محمد الغضبان المثبتتان في شعره قال في مطلع إحداهما.
[الوافر]
خليلي علَّني كأسَ الحميَّا ... رشيقُ القدّ وضاح المحيا
إلى أن قال في تخلصها:
سلا قلبي الهوى وثنى عناني ... إلى حبرٍ سما وغدا زكيّا
أبي الفضل العلِّي بلا نزاع ... هو المحجوب من أضحى سميا
شريف شرَّفَ الفتيا فسادت ... وطوق جيدها عقداً سنّيا
وقد زان التدريس والفتوى بالعلم والتقوى، فقيه، حجة، أصولي، فقهه يحذو به حذو المجتهدين في تتبع وجوه الأدلة الأصولية خبير بمدارك مذهب مالك، وقد نجب بين يديه عالمان هما ابناه ويأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى.
ولم يزل ركناً للدين وقدوة للأيمة المجتهدين وعمدة العلماء العاملين إلى أن أتاه محتوم الأجل فتوفي سنة ١١٩٠ تسعين ومائة وألف ودفن بتربتهم في أوائل الزلاج عليه رحمة الله ورثاه العالم الشيخ محمد بن سعيد النجم بقوله: [الطويل]
تنام جفون المرء والخطبُ يقظانُ ... وينكر حربَ الدّهرِ والموت برهانُ
ويكثر في الدنيا الدنية حبَّها ... وما وصلها إلا هموم وأحزان
ومن عرف الدنيا وشدَّةَ مكرها ... تساوى له منها وصالٌ وهجران