للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان مع ذلك له معرفة كلية بأسرار الحروف، وله في بيته خلوة وله نوع تصرف في الجان افتك بها كثيراً من المصابين في وقائع مشهورة وقد توقف الشيخ محمد بن الخوجة في أمر هذا التصرف فسأله وكانت للشيخ بنت مصابة فوعده صاحب الترجمة بالاجتماع باللجان ومحادثته له بواسطة ابنته وطلب منه أن يحضر مع ابنته بين العشاءين من تلك الليلة ليرى أمر الجان فأحض الشيخ ابنته بين العشاءين في بهو بيته وجلس هنية فإذا بابنته تسلم عليه وتحادثه حديث الجان المتبركين بالاجتماع به، واتفق للشيخ ذلك اليوم أن ورد عليه أحد أتباعه يخبره بأن فرسه قد سرقت من الهنشير وبينما كان يحادث الجان تذكر حديث الفرس فسأل الجان عن خبر فرسه فطلب منه الإمهال إلى أن يرسل من يبحث عنها ويخبره بها وبينما هم كذلك وإذا هو يقول له إن فرسك بالداموس الفلاني قرب الهنشير وإنها داخل الداموس ومستور عليها بالتبن، وبمجرد انفضاض المجلس مع الجان خرج الشيخ الأعرابي الذي أخبره بفقد الفرس وأمره بالرحيل من ذلك الحين وأعلمه بمحل وضع الفرس ليطلبها منه فوجد الأمر كما ذكر، أما هنشير الشيخ من ذلك اليوم لم يبق لمجاوريه تجاسر على تعاطي شيء منه خشية من اكتشافه من حيث لا يعلمون وبذلك ثبت عنده تصرف صاحب الترجمة في الجان.

ولما توفي الشيخ محمود باكير قدمه المشير الأول أحمد باشا باي مفتياً رابعاً يوم الأحد الخامس والعشرين من رجب ١٢٦٧ سبع وستين مائتين وألف فأفاد بدروسه وفتاويه والتزم عدم التعرض لأمر الجان مراعاة لخطته الشرعية وكان عالماً فقيهاً فاضلاً ثقة ذاكراً متبتلاً حسن السكينة حميد الأخلاق محباً للصالحين لطيف المحاضرة ينظم الشعر ويحتسب افتكاك المصابين من الجان كثيراً أدركته المنية في جمادى الثانية سنة ٦٩ تسع وستين ومائتين وألف عليه رحمه الله، ورثاه العالم الشاعر الشيخ محمود قابادو بقوله: [الطويل]

أجدك هذا مضجع بفخر والمجد ... ومأوى الفرد والسؤدد العد

أجدك قد ضم التراب مكارماً ... بها عنق العلياء قد كان ذا عقد

أجدك يهوى البدر من أفق العلا ... إلى منزل في الأرض دان على البعد

أجدك ما عاينت ليس توهماً ... فما في حياة لامرئ بعد من قصد

ألا فجعتنا الحادثات بمن به ... على حادثات الدهر نعدو ونستعدي

فقدناه فقدَ الشمس في ساعة الضحى ... وفقد زلال طاب باليمن والرفد

عهدناه نسراً ليس تدركه الدلا ... فكيف حوت أبراجه حضرة اللحد

وكان سريعاً للصريخ جوابه ... فما باله ما إن يعيد ولا يبدي؟

محمدُ عبَّاس غدا الدهر عابساً ... لتبدل من بعد البشاشة ذا وجد

كان لم طن تاجاً على هامة العلا ... ولا غرة في جبهة العلم والزهد

كان لم تكن أعتاب بابك ملجأً ... لأهل النُّهى والفضل في الحل والعقد

كان لم تكن في مسند الدرس قائماً ... وألفاظك الأصداف للجوهر الفرد

كان لم تكن في مجلس الحكم صارماً ... يصمّم في أغراضه ماضي الحد

كان لم تك التنزيل من فيكَ يكتسي ... غلائل من حسن الإبانة والسرد

كان لم تكن فوق المنابر قارعاً ... قلوباً غدت أقسى من الحجر الصلد

لئن جرِّعتْ من فقد كأسك علقماً ... فيا طالما جرعتها خالص الشهد

لقد كنتَ للخضرا شهاباً فأينما ... تباعدُ عنها ماردَ الجن بالطرد

تحرّرُ للقربى من الله وحده ... رقاباً غدت من ربقة الأسر كالعبد

تبوَّأت من حكم ابن داود منزلاً ... لغيرك ما إن ينتهي قط من بعد

هنيئاً لك الأجر الذي قد أتيته ... جوار كريم واسع الفضل والرفد

فإنّ عباد الله جل عياله ... بهم لجنان الخلد أجدر بالودّ

فها كلهم يدعو بقول مؤرخ: ... (محمد عباس أنل جنة الخلد)

[٣١]

[الشيخ محمد معاوية]

هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن مصطفى بن حسين بن بايه محمد التركي الوافد على تواس من بلاد الترك وتزوج بإحدى حفيدات ولي الله الشيخ سيدي معاوية رضي الله عنه.

<<  <   >  >>