وإنما وقع في هذا الفصل أن إدارة المال تتولى استخلاص جميع مداخيل المملكة لأن الميزانية التونسية كانت منقسمة بين الدولة وبين الكومسيون المالي.
ومن أهم فصوله الفصل الثامن: ولاية مدير المال تصدر منا مباشرة بمقتضى طلب سفير دولة فرنسا المقيم بحاضرتنا.
وتصدر أوامر أيضاً بطلب من مدير المال لدولتنا في ولاية كل من كاهية مدير المال ومدير الداءات المختلفة، والكمارك ورؤساء الأقسام والكتابة بإدارة المال، وكذلك منفقدو الإدارة المذكورة والخدمات المالية وقابض الدولة العام، والمترجم الأول بإدارة المال، وقابض عموم الأداءات المختلفة وقابض عموم الكمارك ووكيل أملاك الدولة والمكلف بالغابة وناظر دار السكة ووكيل الرابطة.
والفصل التاسع: أعطى هذا الفصل الصلاحية لمدير المال في بقية المستخدمين.
والأمر الصادر بإبطال الكومسيون المالي انتزع كل الاختصاصات المالية من أيدي التونسيين وجعلها في يد مدير المال الفرنسي.
وقد أصبحت هذه الإدارة بعد برهة غدارة فرنسية تتصرف في حظوظ البلاد المالية.
[ملحق (٥)]
[المجلس الشوري]
المجلس الشوري المتحدث عنه بالمدح وإطناب الشكر من المؤلف حتى عده من اعظم مآثر هذا الأمير الفائز بالسبق على سائر الأمجاد قلب فيه المؤلف الحقيقة رأساً على عقب.
وكان من حقه أن يأتي بالقبضة على وجهها الصحيح، فإن لهذا المجلس قضية تعد من أهم القضايا التونسية أبلى فيها أهل المجلس الشرعي وبالأخص القاضي المالكي البلاء السن.
وتفصيل هذه القضية حسبما ذكره المطلع عليها الشيخ محمد بيرم الخامس ونصه: "ومنها أن أحد الأغنياء من الأهالي توظف في الحكومة المسمى بمحمد عريف توفي رحمه الله عن غير ولد وكانت له بنات من ابنه فأوقف كسبه عليهن وعلى من يتزايد له، وبعد وفاته وضعت زوجه حملها فكان ولداً ذكراً ثم توفي في إثر ذلك.
وقد كان القاضي، وهو القاضي الجد محمد الطاهر النيفر الذي تولى القضاء من سنة ١٢٩٠ إلى سنة ١٣١١ جعل وصياً على البنات وحفظ الوقف والمنقول، فطلب التابع أن ينقل حكم النازلة من الشريعة إلى الوزارة على خلاف الديانة والعادة من تحكيم الشرع في المواريث والأوقاف.
وأرسل الوزير وهو مصطفى بن إسماعيل مكتوباً بأن يسلم رسوم الوقف إلى كاتبين أحدهما من خواص الوزير والثاني من الوزارة مع الوعد في المكتوب بأن الوزارة بعد الإطلاع على الحجج ترجعها وكان المتسلم لها أبا الزوجة وهو وكيلها مع أحد الكاتبين.
فطال الزمن أي زمن تسلم الرسوم من الوزارة فلم ترجعها حسب الوعد، وأبلغ الوصي إلى القاضي التخوف على الرسوم إذ شاع أنها سيقع فيها تغيير فأرسل إلى أبي الزوجة وإلى الكاتب اللذين اسلما الرسوم بطلب إرجاع الرسوم فأبيا فأحضرهما فامتنعأن فسجن أبا الزوجة حيث إنه المتسلم وأخبر بأن الرسوم بعلو في داخل المحكمة الشرعية هو محل اشتغال الكاتب المذكور حيث كان من شهود الأوقاف وذلك العلو هو مكان اجتماعهم فبعد أن ألح القاضي على الكاتب وامتناعه أمر بأن يمنع من دخول العلو خشية إخراج الرسوم منه وبقي القاضي بمحل حكمه على الهيبة الشرعية حسبما سبق التعريف بذلك من كون أهل الشرع بتونس لهم من التعظيم والتوقير قريباً مما كان عليه الحال في الأعصر المعظمة للديانة وشعائرها.
فما كان غير بعيد إلا وعلي بالزي المذكور قام فضرب باب العلو برجله وكسر قفله وأمر الكاتب بالصعود وإخراج الرسوم، وأخرج المسجون وأمره بالذهاب حيث شاء، وقدم على القاضي وباشره بما لا يناسب ذكره، وفشا الخبر وعظم الأمر عند العلماء والعامة إلى درجة لم تعهد، فأبطلت الدروس من الجامع الأعظم، وأغلقت دار الشريعة وكثر اللغط وسرى إلى خارج الحاضرة.
وأبلغ أمر النازلة إلى الوزير ابن إسماعيل فأراد أن يهون النازلة بمنع تابعه من القدوم إلى تونس وأرسل معلماً إلى القاضي بأنه سجنه فلم يلتفت لذلك العلماء وتقدم الشيخ احمد بن الخوجة شيخ الإسلام وجمع العلماء مراراً واظهر أشد الانتصار للشرع وكتب جميع المجلس الشرعي مكتوباً وأرسلوه إلى الوالي قصداً بلا واسطة الوزير على خلاف المعتاد وقدم به رسولهم على الوالي في مجلس الشريعة لأن رئيسهم تقرب إليه الوزير سراً فانحط حرصه وتوجهت أطماع البعض إلى المسابقة لإرضاء الوزير فأجابوه بنعم.