للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وللنحو أضحى والبيان تفاخرٌ ... به إن بدو والخصم فيه يخصَّم

أمولاي هذا الختمُ مبارك ... عليك به نشر الثنا ليس يكتمُ

ختمت به (العيني) على الكنز فاغتدى ... غنياً عن العلم الذي فيه معدم

فلا زلت إكليلاً على هامة العلا ... يعز بكم عصر الزمان ويفخم

ولازالت العلياء ملكَ يمينكم ... تصرفها فيما تشاء فتخدم

وصل على خير الأنام محمدٍّ ... شفيع الورى في الحشر والخطب مظلم

ثم أراد الباشا إعادته للسجن فالتجأ إلى زاوية الشيخ سيدي منصور بن جردان رضي الله عنه، وأقام هنالك ملازماً بث العلم ومطالعة الكتب إلى أن انجلى ذلك الغمام. وساعد الإقبال بدخول الأمير محمد الرشيد الحسيني أوائل ذي الحجة الحرام سنة ١١٦٩ تسع وستين ومائة وألف فأمر بإخراجه من الزاوية وقدمه مفتياً ثانياً.

وأقام على الإفتاء وتحرير المسائل والتأليف إلى أن توفي شيخ الإسلام البارودي فقدمه الأمير علي باشا لمشيخة الإسلام في ذي القعدة الحرام سنة ١١٨٦ ست وثمانين ومائة وألف.

وكان ملازماً بث العلم فتخرجت عليه فحول كثيرون ولازم المطالعة وشرع في عدة تآليف أتم منها "اختصار أنفع الوسائل" للطرسوسي، ورسالة في السياسة الشرعية، ونظم مسائل كثيرة، وله شعر ونثر جيد. فقضى عمره في تدريس وتأليف وفتوى.

وقد كان مرض، وعوفي من مرضه سنة ١١٨٤ أربع وثمانين ومائة وألف فهنأه الشيخ أحمد سمية بقوله: [الطويل]

علومُ الهدى أضحى كمالُ كمالها ... منيراً وأمسى سيفها غير مغمدِ

وقد عادت الفتيا لعادته على ... منصّتها في ثوب حسنٍ مجدّد

تبسم من بعد التعبس ثغرها ... فلاح لتاريخي: (شفاءُ محمدِ)

وقد امتحن بفقد والده حسين في مبدأ شبابه فأرخه الشيخ محمد الورغي بقوله: [الوافر]

ترحّم إن وقفت هنا وسلّم ... وعاين بالتراب فتى مكرّمْ

عزيز عاقه ذا الموت قسراً ... ولو سلم ابن أنثى كان أسلم

نبيهُ البيت لم يحتج لعذر ... ولا بالهجرِ في الدنيا تكلّم

تكهّل في الشباب وحين طابت ... به الأيام طلقها وتممْ

وكان أبوه يأملُ أن يراه ... وحيداً في الكمال فكان ما لم ...

وليس يموت من هذي حلاه ... ولكن نام عن زمن مجذّم

لذلك قال من يدريه أرِّخْ: ... (عزيز الناس مات حسين بيرم)

وقد بلغ صاحب الترجمة أربعاً وثمانين سنة قضى منها في الفتوى خمساً وأربعين سنة، وكان ورعاً ثبتً عمدة حاملاً لراية مذهب أبي حنيفة، على طريقة بديعة ومكرمة شريفة، إلى أن توفي يوم الأربعاء آخر شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف، ودفن بتربته المجاورة لزاوية الشيخ عبد الرزاق قرب دار الآغة ورثاه العالم الشريف الشيخ عمر المحجوب بقوله:

جفن المنية ليس بالوسنان ... يصمي بسيف صارم وسنانِ

ومن المقابر لو علمتَ منابرُ ... للدهر يخطبُ فوقها ببيان

(يا أيها الإنسان إنك كادح) ... فانظر بعينك غاية الإنسان

وتناقص الأرضين من أطرافها ... يدعو الورى للزهد في العمران

فانظر جبال العلم وهي شوامخٌ ... قد سيّرت للمحشر المتواني

وانظر إلى مفتي الأنام محمدٍ ... أضحى رهين الترب والأكفان

لهفي على البحر ابن بيرم غيّضتْ ... منه علوم الدين والأبدان

قد كان في الفتيا عمداً عمدة ... (صدر الشريعة) غرّ الأعيان

قد كان قطبَ مدارها عجباً له ... وهو (المحيط) (بكنز) هذا الشان

يا مسبل العبرات عند مصابه ... بالله لا تغنيك في السلوان

ما درّه المختار يسلي فقده ... درر الدموع بمحجر الأجفان

فاستنزل الرحمات عند ضريحه ... واقرأ له شيئاً من القرآن

يا رب قدّس سرّه ومقاله ... واخلع عليه ملابس الرضوان

أحسن عزاء القائلين وأرّخوا: ... (لهفاً لحامل مذهب النعمان)

١٦ الشيخ محمد المحجوب

<<  <   >  >>