وقد أدركته بتونس يلبس الصوف وجميع الناس يجله ويعظمه. وقد وقفت على تقييد بخطه على ظهر كتاب عدد فيه بعض آبائه وذلك أنه عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد الهذلي بن سليمان بن خليفة بن عمر بن محمد بن خليفة بن أحمد بن محمد ساسي، وبيتهم مشهور بالشرف والعلم وأفراد العلماء منهم كثيرون رضي الله عنهم.
ولما هاجر هذا الشيخ للمدينة المنورة ولي عوضه مدرساً وخطيباً بجامع سبحان الله الشيخ الطيب السبعي.
ولما توفي الشيخ محمد بن مصطفى البارودي ولي عوضه مدرساً الشيخ محمد الأمين بن الخوجة في ذي القعدة الحرام سنة ١٢٦٥ خمس وستين ومائتين وألف، ولما توفي الشيخ محمد بيرم الثالث وتقدم الشيخ محمد بن باكير قاضياً حنفياً ولي عوضه مدرساً العالم المنجم الشيخ محمد بن محمود وحيث انتهى بنا العد إلى ذكر هذا الأستاذ نذكر ترجمته إذ هي ليست أجنبية من غرض هذا الكتاب فنقول:
[الشيخ محمد بن محمود]
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن حمودة بن محمد بن حمودة بن محمد بن محمود الترجمان كان محمود الترجمان على عهد استقلال الدولاتية بتونس مترجم اللغة التركية إلى العرب بين يدي الدولاتي مثل والده، وكان قدومهم من الشام وهو من بني محمود الأعوج أحد ملوك الشام، وقد قتل محمود الترجمان المذكور على عهد مراد باي بوباله قتله هو والدولاتي وباش حانبة في يوم واحد، وفر ولده محمد بفتح أوله إلى الشبخ سيدي علي عزوز بزغوان وأخذ منه مكتوباً وحين وصل به إلى الحاضرة صادف ولاية ابارهيم الشريف باي داي فأحسن قبوله وأذن له بإرجاع جميع أملاك والده من الذين اشتروها بعد بيعها فصالح جميعهم فأخذ بقية قيمة الملك حيث إنّهم أخذوه بثمن بخس وتمم بيعه لهم. وسافر إلى مصر وأقام على خدمة العلم الشريف إلى أن خرج الشيخ علي عزوز وعند عوده رجع به إلى الحاضرة ونشأ بعده ولده حمودة في خدمة العلم وأخذ عن شيخ الإسلام محمد بيرم الأوّل ومن عاصره، وتفقه وطالت يده في الفرائض حتى كان عمدة الفرضيين، وجلس للإشهاد مع إمام المالكية الشيخ محمد المحجوب، وكانت ترد إليه الفتاوي من كل جهة، وربما رجع إليه الخصوم في نوازلهم حتى تشّكى منه الشيخ محمد البارودي للأمير وأرسل له في ذلك فأجاب الرسول بقوله أو أن الناس إذا قدموا غليّ يسألوني عن أمور دينهم نقول لهم منعني الأمير ولم يمتثل ذلك النهي وتوفي بعد الثمانين والمائة والألف.
وأما ولده محمد سمي جده فكان عدلاً فرضياًوأقام على الإشهاد هو وأخوه الشيخ محمود وحج بأهله ولمّا رجع صادف انتشار الوباء فأقام بالكرنتينة بحلق الوادي مع أهله وتوفي هنالك بالوباء منتصف شعبان الأكرم سنة ١٢٣٣ ثلاث وثلاثين ومائتين وألف، ودفن بتربة آبائه بالزلاج.
وكان ولده حمودة عدلاً وباش خوجة بجامع حمودة باشا كسائر آبائه وتوفي في صفر سنة ١٢٨٩ تسع وثمانين ومائتين وألف.
وولد صاحب الترجمة في المحرم عام ١٢٢٢ اثنين وعشرين ومائتين وألف وبشّر به والده وهو يقرأ على الشيخ أحمد بن الخوجة فقال له الشيخ إنّ ولدك هذا تاريخه "بشّرك" فنشأ بين يدي والده وجمع القرآن العظيم وقرأ على الشيخ مجمجد بن ملوكة الأجرومية والأزهرية والدرة وشرحها بطلبه وقرأ عليه رسالته المنطقية، وقرأ على لاشيخ مصطفى بو غازلي مراقي الفلاح في الفقه، وقرأ على لاشيخ محمد بن اسماعيل المكودي، وقرأ على لاشيخ أحمد بن حسين الشذور، وقرأ على لاشيخ عثمان النجار الفلك، وقرأ على لاشيخ محمود بن باكير العيني والواقعات، وجوّد القرآن على لاشيخ حسين البارودي، وطلب قراءة الخزرجية على لاشيخ محمد الخضار فأجابه لذلك بزاوية سيدي ابن عروس غير أنّه اتفق في يوم البداية أن الشيخ عرض له شغل منعه من الحضور فكتب إلى تلميذه بقوله: [الطويل]
أيا نجل محمود ومن مثل محمودِ ... إليك اعتذاري أن أخالف موعودي
سأطلب من جدواك تأخير درسنا ... لحين وإني باذل لجهودي
فكتب إليه صاحب الترجمة بقوله: [الطويل]
أيا سيّداً بالفضل والرأي يحمدُ ... لك الهمّة العليا ومجد وسؤودُ
سأصبر للتأخير حيناً لدرسنا ... ولكن إلى لقياك شوقي مجدد