ومن رجال دولته سليمان آغا كاهية المحلة والحاج حسن كاهية دار الباشا والشيخ محمود الأصرم باش كاتب أما عمدة الدولة ووزيرُها لديه فهو الشريف العربي زروق خزندار وكان من أبناء أعيانها، المتغذين بعذب لبانها، وهو أبو عبد الله محمد العربي بن محمد بن أحمد بن عمر زروق بن أبي القاسم بن علي بن أبي رياح فرج بن أحمد بن أبي عمران بن موسى بن عبد الله بن علي بن فرج بن محمد بن عبد الله بن داود بن سليمان بن إدريس بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قدم جده أحمد بن عمر زروق من الغرب إلى حاضرة تونس صحبة الأخوين والده عمر وعمه الشيخ محمد زروق صاحب زاوية ربض باب السوبقة على عهد المقدس الباشا حسين بن علي ونال عنده الحظوة وحج بيت الله الحرام. ولما رجع امتحنه الباشا علي وفر ولده محمد والتحق بالموالي إلى أرض الجزائر، ونال منهم القرب حتى أنهم لما عزموا على العود إلى الحاضرة استودعوه الحريم هناك إلى أن أخذوا قرارهم فاستقدموه بمن معه من حريمهم وكلفوه بمهمات وجرت على يده أبنية باردو المعمور. ولما توفي أقيم في خدمته ولده المذكور وجرى على يده إصلاح حصون الكاف وغيرها من أبنية الأمير حمودة باشا ولما أفضت الدولة إلى صاحب الترجمة الأمير محمود باشا استخلصه للوزارة فأحيا به خطة خزندار وأولاه إياها ثالث ربيع الأول سنة ثلاثين ولم يزل في خدمة الدولة إلى أن ناهز من العمر السبعين سنة وأدركه الحِمام ثالث عشر صفر سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف. وكان هذا الأمير المحمود الأخلاق، الطيب الأعراق، المشتهر بالحلم في سائر الآفاق، ليناً سمحاً كريماً سهل الجانب قنوعاً، ذا بر وحنان تعاطى الشعر غير أنه لم يصل فيه للنسج على منوال والده، يحب الخير للعموم ولا يرضى السوء لأحد، كثير العفو كريم النفس.
قضى مدة دولته في أمن وخفض عيش وجذل قلب وسرور إلى أن حضرته المنية فتوفي ثامن رجب الأصب سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف ودفن بتربة عمه عليه رحمة الله. وقد رثاه الشيخ إبراهيم الرياحي بقوله: [الكامل]
ما مات من يبقي الثنا ذكراه ... ويمينه ظفرت بكل مناه
كالسيد الباشا الرضا وهو الذي ... طيب اسمه يُهْدي شذا معناه
ملك إذ عد الملوك فإنما ... هُو صالح قد فاق في تقواه
أحنى على الضعفاء من لين الحشا ... وأمنُّ من أرواحهم رُحماه
وهو الذي بسط الهناء بيُمْنه ... فالهرج ما ناب الورى بدجاه
سبحان من جمع الكمال لمفرد ... لم يحكه في ذاك إلاّ ابناه
ثم اختفى كالشمس فرصاً لا سنا ... فابناه في فلك الحياة سناه
قل للأُّلَى سفكوا دماء عيونهم ... أأسىً بما قرت له عيناه؟
لم ينتقل إلا لخير وافر ... فيرى جزا ما قدمته يداه
ولذا بحسن الظن قلت مؤرخاً: ... (كان التحيةَ والسلامَ قراه)
ورثاه أيضاً الشيخ أحمد الكيلاني بقوله:
هي المنية لم ترهب ولم تهب ... تعدو على الأسد والأقيال في الحجب
كم من قلوب غدت منها ممزقة ... ومن جفون تفيض الدمع كالسحب
هيهات لا سوقةً تُبقي ولا ملكاً ... كل يصاب بهذا الحادث الأشب
فليسع ذو بصر فيما يقربه ... إلى المنجاة ويحميه من العطب
كما سعى في طريق الرشد مجتهداً ... نجل الرشيد جليل القدر والحسب
(محمود) من حمدت في الناس سيرته ... زعيم آل حسين شامخ النسب
ببيت الفخار الذي طالت دعائمه ... حتى ارتقت شفاً عن مركز الشُهب
هذي الجدود وقد أغناه ما كسبت ... يمينه من علا عن قول: كان أبي
دعاه داعي المنايا فاستجاب له ... ولم يبال بملك لا ولا نشب
وار في أثر الإسراء محتفلاً ... بما يؤمل للمخلوق في العقب
لله يا رمس كم واريت راق منظره ... وطاب مخبره في العجم والعرب
لما قضى نحبه أنشأ مؤرخه ... (محمود حن لفوز الخلد في رجب)
[٨ المولى حسين باشا باي]
[١١٩٢ ١٢٥١]