وأشار الشيخ احمد كريم إلى أن الشرع نادى بما جاء به عهد الأمان في قوله:
تيقَّن أن العدلَ أبقى لملكه ... فأضحى لطرق الجور ينسفها نسفاً
أمولاي قد عاهدت عهداً مؤمناً ... فأوفيت في عهد الأمان ومن أوفى؟
وأمّنت أهلَ القطر من كل ضائر ... ولولا وجوب الحتف أمتنا الحتفا
جعلت أساس العدل فيهم أمانهم ... على العرض والأبدان والمال مستوفى
وسويت في الحكام بين جليلهم ... وبين ذليل كان في الحق يستخفى
وألزمت أحكاماً هي الفيصل التي ... توافقنا شرعاً ونعتادها عرفا
وتبارى الأدباء في اليوم الذي اجتمعت الهيآت لقراءته بدار المملكة حين طلبوا من الباي أن يحضر لديهم وذلك أواخر جمادى الثانية سنة ١٢٧٧.
وفي ذلك اليوم انشد القصيدان المتقدم ذكر البعض منهما وهو دليل واضح على أن الهيئة العلمية عبرت عن سرورها وإكبارها لتطبيق عهد الأمان، فتونس رجالها المثقفون بالثقافة الإسلامية لم يحجموا عن مساندة القانون، فما يرميهم به الرامون هو من قبيل إلصاق تهم هم براء منها.
ومع انهم نصروه هم مقصرون في الاستفادة من هذا القانون، وتقصيرهم يبدو في كونهم لم يقوموا بواجبهم نحو بقية الأمة في تفهيمهم محاسن القانون، وأن الدين يدعوهم لإرساء قواعد العدل في غير مبالين بما ينالهم.
لكنهم لم تبرح في نفوسهم هيبة المراء أصحاب النفوذ المطلق فلذلك قصروا وأحجموا.
[ملحق (٣)]
[ثورة علي بن غذاهم]
حط الشيخ السنوسي من ثورة علي بن غذاهم، ونعته بنعوت تدلي إلى الحضيض وتحشره في جملة الأدنياء الحثالة، ووصفه بأنه دعي والدعي المتهم في نسبه أو الذي يدعي إلى غير أبيه.
ووصفه بأنه جلف، والجلف الرجل الجافي والظالم، ففي نظره أن ثورة ابن غذاهم ظلم صراح، ووصفه بأنه رئيس البغاة.
ويختم تسجيله لحادثة الثورة التونسية برضاه عما وقع لأهلها فيقول: ولما تم القبض على زعماء البغاة الأشقياء جالت يد أنصار الدولة على أعضاء الثورة، ومن تشيع إليهم وهز عصا الشقاق، ونال كل واحد منهم ما ناله من القتل، وضربت تلك المغارم على الأعراض وجربة، وصفاقس وعموم بلدان الساحل عدا أهل سوسة والقلعة الكبرى لتقدم طاعتهم.
فعنده هذه المظالم المتنوعة من القتل والضرب والسجن في أشد السجون وضرب المغارم على أكثرية أهل البلاد ومعنى ضرب المغارم افتكاك أموال الناس بالقهر هي الجزاء الوفاق.
فالأمة أصبحت بسبب هذه المظالم المتراكمة لكل ما يملكه الإنسان من روحه وعرضه وماله أمة ميتة، وكل ما أصابها لم يثر في نفسه شعور الإنسانية حتى يرثي لهذا الشعب الرازح تحت السيف والسياط والسجن والتفقير ولنتبين الحق من غيره تأتي بما كتبه الشيخ محمد بيرم الخامس في صفوة الاعتبار.
وإنما أتينا بما كتبه لنزيل من الأذهان من أن للشيخ السنوسي له اتصال بالحقيقة بل هو بعيد عن الحقيقة، فالشيخ بيرم الخامس عاش تلك الأحداث فكتابته كتابة مطلع خبير.
جاء في صفوة الاعتبار.
(وخلا الجو لخزاندار أي لما استعفى الوزير خير الدين ومن معه وأخذت السيرة في طور آخر جديد ورام يضاعف أداء الجباية على الأهالي ويصيرها اثنين وسبعين ريالاً على الرأس عوضاً عن الستة والثلاثين ريالاً التي أسسها محمد باشأن وطلب المجلس الكبر أي طلب خزاندار بواسطة الأمير من المجلس الأكبر ذلك فامتنع أعضاؤه واستبد هو أي خزندار، بإمضائها مع تحديز العقلاء له فلم يلتفت إليهم مع أن الأهالي في ثورة من أثر سيرة محمد باشا تقويهم على الدفاع عن أنفسهم مع ما أستأنسوا به من تلك السيرة وسماعهم بان العدل والإنصاف قد شملهم بالقانون وأن لهم الكلام على حقوقهم فامتنعوا قاطبة وأرادوا غصبهم على ذلك، فثار القطر كله ثورة واحدة لم تعهد من قبل على غاية من الرياضة والأمن بحيث لم يتعرضوا بالأذية لأحد مع أمن السبل، وكثرة الفادي والرائح، وضبط كل جهة ببعض أهلها لردع السفهاء وحفظ الراحة والمن وكان متولي أكبر الجهة الغربية والملتف عليه أكبر قبائل الأعراب رجلاً يسمى علي بن غذاهم وذلك سنة (١٢٨٠) .
وما زالت هذه الثورة تسمى ثورة غذاهم، وكاتب الجهات: