وكان إلى الإصباح ذلك دأبهمْ ... فمنك إلى الخيرات لاحت لهم سبلُ
ورنت مهولات الحروب كأنها ... تشير لدين الله حزب بهم يعلو
فيا له من يوم جليل بفضل ... تباشرت الأطيارُ والحوتُ لها نقلُ
فأكرم به من موكب جلَّ صدرهُ ... أميرٌ بحب المصطفى قلبه مملو
هنيئاً كنوز الخير فزتَ بفتحهما ... وذلك فضل الله ليس لنا حولُ
وجنَّد جنداً عز عن نيل مثله ... صناديد آساد وغبَّاهم الأسلُ
إذا حاربوا صفاً لصف كأنهم ... صفوفُ صلاةٍ أمَّهم فاضل عدل
تصرفهم فعلُ الجميل كواحد ... وفاق رئيس الجند لا بعد لا قبلُ
ويمشون في الهجياء مشي تأودٍ ... فلا رعب يغشاهم ولا سامهم ذلُّ
فيمشون مشياً كالشيوخ وفعلهم ... فعالُ شبابٍ طافحٍ أو فتى طفلُ
فيرمون رمياً مسرعاً فكأنهم ... يعاونهم في السير أضعافهم عجلُ
ولا يعرفون الصَّدَّ إمّا غنيمة ... يسوقونها قسراً وأن يبتلي الكلُ
إذا قابلت ألفٌ ألوفاً كثيرة ... فما كثرة تغني وما ضرَّهم قلُّ
فمن حاربوه فرَّ قبل قتالهم ... وكيف أطقت حربهمْ وهمُ بسلُ
إذا ما غزوا الطير تعلو سيوفهم ... لما عوَّدوها من فرائس ما قلوا
لهم نغمات مطربات كأنها ... تبشرهم بالنصر أيّان ما حلوا
جوائزهم ربح ولا عيب فيهم ... سوى أن بذل الوفر في جميعهم بخلُ
فأكرمْ بهم من عسكر جمعت لهم ... خصال فخامٌ والمشاهدة العدلُ
وحين رماني الشوقُ في بحر مدحه ... ولستُ أجيد السبح بي صدي القوولُ
ولولاهُ ما فات اليراعُ أناملي ... وجود أبي العباس صوبه منهلُ
ومن شاطئ الوادي عزفت مدائحي ... وما خضت في بحر وما كدت أبتلُ
وإني لأرجو أن تزول نوائبي ... أخوض بها بحراً به المدح ينحلُ
مديحك يا فخرَ الملوك غنيمةٌ ... تعز به نفسي وإن رخصت تعلو
شمائلك العطمى أراحت سجيتي ... أجرُّ يراعي والمحاسن لي تملو
فدعني وتعداد المديح فإنني ... أروّق نفسي والهموم به تسلو
فأيُّ ثناء أبتغيه أرومه ... وأنت كريم من كرام له أهلُ
فدونكما عذراء يخجلها الحيا ... أبية نفسْ أن يكافا بها فعلُ
وأقصى مناها أن تحوز قنوعة ... بلثم تراب منْ وطا مسه النعلُ
وأن تشتريها بالرضى منك إنما ... رضاؤك لا كسبي لمن وصفه القلُّ
تصول فصدق المدح نبهاً بصدقها ... يضاجعها سيف البواتر والنعلُ
تقول أنخت الرحل قرب مملَّك ... كريم أصيل ماجد بذله البذلُ
متى سامني دهر بهول أصابني ... وأدنى التفات منك ينكشف الهولُ
وكم من فتى قبلي تصاعب دهره ... فغاد له سهل وفارقه المحلُ
فدم في سماء المجد ما دام فرقد ... يلوح به والبدر والشمس والحملُ
مهنا معافى سائلاً ما تريده ... عليك سحاب الخير لا زال ينهلُ
وكان فقيهاً مشاركاً متفلسفاً، له معرفة بالرياضيات، حييا يقطر وجهه حياء من كل أحد، صبوراً خيّراً، كريم الأخلاق حسن المحاضرة أديباً لطيف الشعر يوده المشير حتى أنه لما مرض أرسل إليه أطباء حضرته وكان مرضه في يده فرأى الأطباء لزوم قطعها خشية سريان الداء فصبر على قطعها من دون مخدّر وبم يشتكِ من ذلك ومع ذلك أدرك الحمام فتوفي في ذي القعدة الحرام سنة ١٢٧١ إحدى وسبعين ومائتين وألف ودفن خارج باب الفلة عليه رحمة الله آمين.
٤٠ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور