هو الشيخ أبو الصفاء الطاهر بن محمد بن الشاذلي بن محمد بن الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور بن إدريس الشريف الأندلسي السلاوي. خرج جده عاشور من جزيرة الأندلس في حدود الثلاثين والألف، ودخل مدينة سلا من المغرب، وبها زيد ولده محمد، ونشأ بها في سلوك طريق أهل الله، وأخذ الأسرار هنالك عن الشيخ محمد القجيري ثم خرج لحج بيت الله الحرام لوما أتم حجه آب إلى محاضرة تونس مع عمه الشيخ سيدي داود دفين المرسى. وكان الشيخ داود بن إدريس السلاوي من أهل الجذب المشتهري الصلاح، وكان الشيخ محمد بن عاشور من العارفين بالله يقرئ علوم أهل الحقيقة ملازماً للدرس والجماعة وقد لازمه فحول منهم الشيخ سعيد الشريف وأشار له بوفاة ولده في حياته فكان الأمر كذلك، ومنهم الشيخ محمد بن شعبان ومنه استمد الشيخ علي الغماد والشيخ مصطفى البايلي والشيخ محمد الملاح، وقد ظهرت الولاية على ثلاثتهم وقد احترف بصناعة الشاشية وساعده فيها القدر مع كون كراماته كفلق الصبح دخل بقصد الصلاة بجامع القصبة ولما شرع في صلاة النفل دخل إمام الجامع وخطيبه الشيخ محمد البيك وأخذ يصلس في ركن من الجامع فاستعجل الشيخ صلاته ونادى الإمام بتخفيف الصلاة فلما سلم استدناه من مجلسه وعند ذلك سقط الركن الذي كان يصلي فيه الإمام فحمد الله على ذلك وكان يعمل مع أهله فينخل الدقيق ويغسل الثياب وأتاه إلى بيته الداي علي رايس زائراً ومعه رجال دولته فأغلق في وجهه الباب وامتنع من ملاقاته وكانت مدة إقامته بتونس نحو الخمسين سنة وتوفي بين العشاءين من ليلة الأربعاء غرة جمادى الأولى سنة ١١١٠ عشر ومائة وألف ودفن بزاوية شيخه سيدي علي الزواوي عند باب سيدي عبد الله خارج باب المنارة من تونس بعد أن كان ملازماً لإقامة الأوراد الشاذلية بالزاوية المذكورةز وورثه في فضله ولداه إدريس وعبد القادر، فأما إدريس فإن والدته هي ابنة الشيخ داود بن غدريس وأما عبد القادر فإنه من زوجة أخرى وقد كان ازدياده بإشارة القطب الشيخ الجيلي وأشار على والده بتسميته على اسمه، فكان من الصالحين وقد لازم إقامة الميعاد الشاذلي بزاوية الشيخ سيدي علي الزواوي رضي الله عنه مثل والده إلى أن توفي وقد استوفى الموؤخ حسين خوجة ترجمته وترجمة والده أكمل استيفاء كما ترجم لهم الشيخ محمد الوزير السراج رضي الله عنهم أجمعين.
وعلى كل حال فقد نشأ أبناؤه من بعده في خدمة العلم والتحلي بالمكارم إلى أن وصلوا إلى والد صاحب الترجمة فأنجب في رياض العلم ولدين وهما صاحب الترجمة وأخوه. أما أخوه محمد ويدعى حمدة فكان عالماً عاملاً من النحو، وقرأ على الشيخ محمد معاوية المطول وغيره، وقرأ على الشيخ محمد السنوسي الخرشي، وقرأ على الشيخ محمد بن الخوجة مختصر السعد، وقرأ الحساب والفرائض على الشيخ محمد بن ملوكة، وقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي. حتى تضلع من المعقول والمنقول، والفروع والأصول، وصار يشار إليه في التحرير والتدقيق وتقدم للتدريس في الرتبة الأولى ابتداء عند وضع الترتيب الأحمدي بجامع الزيتونة أواخر شهر رمضان المعظم سنة ١٢٥٨ ثمان وخمسين ومائتين وألف وزان الجامع بدروسه ولما توفي الشيخ فرج التميمي بالمحلة أرسل إليه المشير الأول أحمد باشا باي يراوده على خطة المحلة فتعلل بضعف بدنه، ولما أعيد الطلب قال إنه إن ألزم الخطة المذكورة خرج فاراً فلم يكلفه المشير ذلك. ولازم التدريس وكتب حواشي على مقدمات شرح المحلي على جمع الجوامع حرر فيها مباحث أصولية مهمة وتوفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من صفر الخير سنة ١٢٦٥.
وأما صاحب الترجمة فقد نشأ في رياض الترتيب الأحمدي بجامع الزيتونة وأخذ عن أخيه كثيراً، وقرأ على غالب شيوخ أخيه، فقرأ على الشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ محمد بن الخوجة، والشيخ محمد بيرم الثالث، والشيخ محمد بن ملوكة، والشيخ محمد بن سلامة وكان آية الله في الذكاء وعلو الهمة في العلم لا يقنع بظواهر الكلام بل يتتبع الأصول ويحرر الوجوه والتعاليل غاية التحرير، تقدم للتدريس فزان الرتبتين وابدع بفصاحته وذكائه ما شاء.