أم دخان المداد في جبح طرس ... أري لفظ مدى اليراع تشير
تفصم الشهد ضمها لعرا الكر ... ب على القلب لاه ذا التأثير
فبإرسال ذي الكتيبة أصبح ... ت وجيش السلولي منصور
ولئن حازت البلاغة طرا ... لأبوها محقق تحرير
إن يجل باز فكره في المعاني ... فسواء بغاثها والنسور
ولمجري البها إذا ما تلاها ... سجد الفكر إذا دعاه الشمور
يا ربيع العفاة من كل فج ... لك في هالة البيارم نور
فعلى ما يتيمة أنت فيه ... حبس المجد والفخار النجور
دمت كهفاً لنا وعن كل سوء ... لك من محكم المفصل سور
وقد ناظر في طلب خطة التدريس بمبحث باب التنازع من الأشموني، وتقدم للمشيخة المدرسة المرجانية، وللرتبة الأولى من التدريس بجامع الزيتونة فزانها وصار فخراً لهأن إذ هو آية الله في الذكاء والتحصيل بلغ إلى رتبة عالية في العلوم وعلى الخصوص المعاني والبيان والنحو والصرف واللغة فإنه إمام جميعها الذي تقدم لمحرابهأن واقتدى به في كل من عاصره أما الآداب، فإنه رئيس الشعراء والكتاب، وقد نسج على منوال غريب، من أبدع الأساليب، فابتكر المعاني الغرر، وأرسل قلمه ينثر فرائد الدرر، ونظم ما يبعث بالفكر.
فهو علامة فاضل حسن الأخلاق بعيد عن التكلف كريم النفس لطيف المفاكهة المحاضرة، ودروسه ومجالسه رياض بديعة الأساليب والأعراض.
كتب حاشية على شرح الأشموني لألفي ابن مالك استدرك فيا مباح كثيرة على الصبان، وكتب أختاماً على أواخر كتب عديدة وأحاديث مهمة وزان أواخرها من بدائع إنشائه بأدعية رائقة.
وتقدم كاتباً ثانياً في الكمسيون المالي عند تنظيمه بالدولة التونسية وقد خرج مسافراً في خدمة الدولة عدة مرات، أولها خرج عضواً في الجمعية التي عينتها المجالس القانونية لتفقد المملكة التونسية فخرج مفتشاً عن أحوال الرعايا وأحكام مجالس تلك الجهات في رجب سنة ٧٩ تسع وسبعين، ثم لما سافر إلى إسلامبول صحبة الوزير خير الدين في ربط علاقة الدولة التونسية مع الدولة العلية العثمانية، وكان سفره في جمادى الثانية سنة ١٢٨٨ ثمان وثمانين ومائتين وألف، وقدم للصدر الأعظم قصيدته التي قال في مطلعها: [الطويل]
صدارة محمود بها لله قد منَّا=على دولة الإسلام فهي بها تهنا
وكان رجوعه إلى الحاضرة رابع شهر رمضان المعظم ثم سافر إلى بلد قرنة من عمل إيطاليا صحبة الوزير حسين المكلف بالمعارف العمومية في محاسبة قابض أموال الدولة التونسية، وكان خروجه أواسط جمادى الأولى سنة ١٢٩٠ تسعين، فأقام هنالك خمس سنين قدم فيها لتونس مرات عديدة لعيادة أهله وبنيه وقد كتب رحلة تشد إليها الرحال، وتقصر دون الوصول إلى ما أودعه فيها أعناق الآمال، حكى فيها ما شاهده في سفره وطريقه، وما استخرجه من فكره وتحقيقه، وفي نتاج لعمران السري مما لم يصل إلى إدراكه أبو عبد الله بن خلدون والعذر له إذ أنه لم ير ما بلغ إليه العمران، في هذا الزمان، مباديه تجاوزت غايات ما كان يراه هو في تلك العصور الغابرة، وقد أدرك غايات هاته العصور صاحب الترجمة أب النجاة فأودع ذلك في رحلته الغريبة لوضع والنسج، مع ما تضمنته من اللطائف والمحاسن.
وفي أثناء سفره ولي مشيخة المدرسة المنتصرية بعد وفاة الشيخ علي العفيف، ولما رجع ختم بها على الطريقة المألوفة في شهر رمضان، ولازم دروسه التي هي رياض العلوم بجامع الزيتونة وهو أول مدرس أقرأ بجامع الزيتونة نظم ابن عاصم الأصولي وتصدى لشرحه شرحاً بديعاً أوقفني منه على قطعة فرأيت كثيراً من التحقيق والتحرير، يعجز الجهابذة النحارير، سلك فيها مسلكاً يعز على أمثاله، من أهل العلم ورجاله، بحيث يقتصر على شرح مسألة الناظم وتوجيه ما اعتمده أو ما حكاه من الخلافات بتحرير عزيز وفصاحة عبارة من غير خروج عما تكلم عليه النظام إلا ما هو من استظهاراته التي يحتاج إليها الأصولي احتياجاً كلياً جزاه الله خيراً.