وهاته المرة أيضاً فرنسا عارضت في ذلك وعوضاً عن الفرمان السلطاني فالباي ومستشاره التزموا بالرضا بمكتوب وزيري متضمن لما في الفرمان، ثم اغتنموا الفرصة وقت مصيبتنا في سنة ١٨٧١ وتمموا ما كانوا ممنوعين منه سواء كان في مدة الوي فليب الذي كان غالباً أسطوله يمنع الأسطول التركي من القدوم إلى تونس أو في مدة الإمبراطور الذي لم يقلل من العزم المشار غليه، وفرمان ١٥ تشرين أول سنة ١٨٧١ الذي اتخذوه تحت ظل مصيبتنا اشتهر في ١٧ تشرين ثاني في باردو وأعلن به خير الدين باسم السلطان وقبله الباي الذي كان طلبه له مع شيء من الغضب، وفرنسا على حال سجلت بقوة، وحسب الفرمان باطلاً أو كأنه لم يقع ومن مدة عشر سنين لم تبطل شيئاً من عملها عندما يقتضي الحال ومع نجاح الباب هو بنفسه له شك في إجراء حق فرمانه بتاريخ سنة ١٨٧١ الذي ضرب استقلال مملكة تونس المتقادم وهذا الفرمان انتشر قليلاً إلا أنه عند الغالب لا يعرف ما عدا بعض الدول التي لها فوائد في ترتيب الفرمان المذكور أن تكون تونس جزءاً تحت الباب مع أن حكم باي تونس باق كما كان يعرف منذ مائتي سنة غير أن باي تونس صار والياً أي والياً عاماً على إيالة تونس وعلى موجب فالوراثة في الحقيقة لم تكن مستمرة في العائلة الحسينية خلافاً لما ذكره الفرمان بل الوالي يعزل بإرادة السلطان ومن الممكن أن يعرف الباي ضرره وضرر ملكه وحريته وحياته التي هي غلطته الكبيرة حسبما أشاروا عليه بهأن ومحمد الصادق ليس له خوف من جهة فرنسا ولو مع عمل من الشر معها ومع هذا فهي ليست بضده لا لذريته ولا لذاته ولا لدولته وأما من جهة الباب فهو بالعكس وله الخوف الكبير منه لنه يمكن أن يبدله بحسب الحال".
انتهت لائحة وزير فرنسا وإذا تأملها المتبصر وتدبر معانيها يجدها مخالفة للواقع في كثير من الأمور سيما بعض الأحوال التاريخية كما تبين من مقابلة كلامه بما ذكرناه في تاريخ تونس وسياستها وصلتها مع الدولة مع المكتيب الرسمية التي نلقاها حرفياً حتى من متوظفي فرنسأن ويؤكد ذلك ما تراه في لوائح الباب العالي الآتي بيانها فإن الحال لما بلغت إلى درجة هجوم العسكر على الحدود تظاهر والي تونس بأن أرسل إذ ذاك إلى الباب العالي مكاتيب في التشكي من فعل فرنسا وأرسل إلى نواب الدول تسجيلاً على ذلك أيضاً ولما تحقق الباب العالي الأحوال الرسمية أرسل عدة لوائح إلى سفرائه مستنجداً بالدول لمحافظتهم على معاهدة باريس التي أشرنا إليها سابقاً وعلى معاهدة برلين، ومما يفصح عن مقاصد الباب وحقوقه اللائحة التي أرسلها وزير الخارجية بالدولة العثمانية إلى سفراء الدولة ونص تعريبها: