للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما رجع مخدومه إلى عمله استصحبه وسافر إلى بلده ورجع أواخر جمادى الثانية سنة ١٢٨٧ سبع وثمانين، ولم يزل في بر مخدومه قائماً بحقوق نعمته عليه، وقد وقفت على قطعة شعرية من نظمه يخاطب بها مخدومه المذكورة في واقعة حال وهي قوله: [الوافر]

أمولى نعمتي وعماد مجدي ... ويا سندي يا كل المرام

لد نفشت بحرثك شاء معز ... حكمت بحبسها عند اللآم

وأحسبها أخيتي من رضاع ... وسن جميعنا دون الفطام

تنادي وهي تعرب عن شكاة ... تكاد تبين عنها بالكلام

تحنَّن صبيتي باتوا عطاشا ... ورحالا لدى ذوي التقام

حليلته تنادي باسم نوء ... ونوء المعز يفضي للحمام

وممن أوتي الأحكام طفلاً ... سليمانٌ من الرسل الكرام

قضى في الحراث أن الشاء تبقى ... زماناً في المقيل بلا دوام

فهذا ما قضاه ولم يفرق ... وإن القول ما قالت حذام

فإن تعدل فحكمك ف ماض ... وإن تحلم تفدى بالأنام

ومن عناية مخدومه به مع تأهله تقدم لرئاسة كتاب الكومسيون المالي عند تربيته لما للدولة من التوثق به وبمعارفه.

وبمباشرة ما لزمه من الأعمال اختلن مواظبته على التدريس مدة بجامع الزيتونة لكنه بعد أن أجرى الأمور التي بين يديه مجراها حضر وقت العشي للتدريس بجامع الزيتونة وواظب على ذلك بما عهد منه انتفع عليه كثيرون وقد قرأت عليه مغني اللبيب لابن هشام بحاشية الدسوقي وحواش أخر بقدر الحاجة قراءة تحقيق إلى أن كدنا نختم النصف منه فعاقنا عارض رجوعه للكتابة واشتغاله بها وقرأت عليه قبل ذلك عند بداءة إقرائه بجامع الزيتونة دروساً في آخر الجربي على إيساغوجي وشرح القطر لابن هشام وفي يوم ختمه سرد دعاءً لطيفاً نصه: اللهم إنك أجريت بتوفيقك عزيمتنا حتى استوت على جودي هذا الموضوع، وأصلحت في العمل نيتنا فاجعله من العمل الصالح المرفوع.

اللهم إن مؤلفنا قد بل غلة الصادي بسواكب قطره، فعل بالأهاصيب الثواءي مناكب بره، وقد حققت رجاءه في النفع بهذا الكتاب، وجعلت دعاءه بذلك من الدعاء المستجاب، فحقق اللهم ما أمله منك في دعائه لنفسه، واجعل أنسه بالنظر إليك وأفسح له في أنسه، واغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وأساتذتنا ولكل من علق على هذا الموضوع حرفاً وأوضح من مسائله ما لعله يخفى، وخر لنا في استئناف العمل، وحتى نكون كالحال المرتحل، فإنك ذو الطول والقوة والحول لا يعنت من أعنته، ولا يعان من أعنته والحمد لله أولاً وآخراً.

[الشيخ محمد النجار]

هو شيخنا أبو عبد الله محمد بن عثمان النجار بن محمد بن علي بن أحمد الشريف الأصل، ويقال إن قدومهم إلى تونس كان من الشام، وولده والده سنة ١١٩٨ ثمان وتسعين ومائة وألف، وقرأ الفقه والفرائض على الشيخ أحمد بوحريص واشتغل بالرياضيات فبرع فيها واختص بمزية الهندسة والهيئة والفلك، واستغل بصناعة التجارة وكان موضع خدمته يأتيه الواردون لتعلم العلوم المذكورة، وقد رسم عدة رخامات للمواقيت بتونس وغيرها مشهورة الصحة وقد توفي في شعبان الأكرم سنة ١٢٦٦ ست وستين ومائتين وألف.

<<  <   >  >>