أرى بحر الخطوب طما وأصمى ... وأصلى غالب الأكباد جمرا
فلما استعظموه اغتال فرداً ... يقوم برزء كلَّهم ومرَّا
أما في فقد إبراهيم خطب ... يعمَّ جميع أهل الأرض طرا
[[الشيخ علي الرياحي]]
وقد عظمت مصيبة فقده على سائر أهل الدين، وتلقاها ولده الثاني الشيخ أبو الحسن علي بالرجوع لله رب العالمين، وكان الولد المذكور أيضاً عالماً زكيأن أديباً بديع المحاضرة، محباً لأعالي الأمور، ينظم الشعر الرقيق، ويطلق من رياض إنشائه أطيب عبيق، ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف، ونشأ في خدمة العلم بين يدي والده، وتقدم مدرساً بجامع الزيتونة في الرتبة الأولى بعد وفاة العالم الشريف الشيخ محمد بن عاشور في صفر الخير سنة خمس وستين، وتقدم خطيباً بجامع سيدي يحيى قرب دار ابن عسال، وتوفي قبل عصر يوم الجمعة الثالث عشر من المحرم الحرام سنة ثمان وستين ومائتين وألف ودفن بالركن الثاني من بيت مدفن والده فاجتمع بالبيت المذكور ثلاثتهم، رضي الله عنهم أجمعين.
وقد أقيمت تلك الزاوية بالأحزاب والأوراد اليومية وشيد بناءها المشير الثاني محمد باشا باي لإقامة الأوراد التجانية، بذكر الله تعالى، ثم إن الوزير الأكبر خير الدين ثاني وزراء دولة المشير الثالث محمد الصادق باشا باي أراد إحياء صناعة النقش حديدة فآثر لذلك قبة الزاوية المذكورة، سيما وقد كانت إذ ذاك محتاجة إلى بعض تدارك فأتقن تشييدها بحضور بعض عملة نقش حديدة من المغرب، ونقشت قبة الزاوية نقشاً بلغ من الجودة والإتقان ما يحار فيه الناظر على مصروف الدولة، وعند إتمامها على الوجه الأبدع طلب مني ثالث أبناء الشيخ مقدم الطريقة التجانية بها يومئذ أن تؤرخ هذا الصنع فأجبته لذلك، وأرختها بقولي: [الكامل]
لمقام إبراهيم فادخلْ آمنا ... تجلو به فضلاً عظيماً كامنا
واخلع حجابك بالتجرّد للذي ... سوَّاك من طين وردَّك كائنا
واخلص إليه من المناجاة الرجا ... وأركب بعزمك وابتهالك صافنا
ومتى وصلت حمى الرياحي فخرتو ... نس فأنزلنه فلست تخشى الآحنا
والبس به من تاج تجّضان حلى ... واحمد بأحمدها السري مواطنا
وانهج له في الأرض خير طريقةً ... لله تلفه في القيامة ضامنا
ورد الزلال بورده العذب الذي ... أروى وأجرى خالصاً لا آسنا
واقنت لربك عاكفاً متبتلاً ... في خير زاوية لحفظ دعائنا
واشكر مشيدَ بنائها ومعيدها ... فيها من النقش المجيد محاسنا
ذاك المشير الصادق الباشا الذي ... لله دان فنال منهُ مآمنا
وأقامَ خيرَ مآثرٍ له فضلها ... بين البرية قاطناً أو ظاعنا
وأجلها هذا المحل وإنه ... لأعز كنز قد أعاد معادنا
فبه انجلى أمنٌ ويمنٌ ظاهرٌ ... فاسأل إلهك في تلف ميامنا
فهو الذي لمؤرخيه جوابه: ... لمقام إبراهيم فادخل آمنا
[الشيخ محمود محسن]
هو الشيخ أبو الثنا محمود بن علي بن احمد بن محسن بن أحمد الشريف إمام مسجد دار الباشأن شيخ العلم والعمل رضي الله عنهم أجمعين، وهلم جرأن إلى استيفاء سلسة هؤلاء الأشراف بالوصول إلى جدهم سيد الأولين والآخرين، عليه وعلى آله أفضل صلاة المصلين، وأزكى سلام المسلمين، فيا لها من سلسة فاخرة، كانت مجمع بحور الفضائل الزاخرة، وقد توسل بجواهرها الثمينة كثير من أهل الشأن، ونظموها في عقود الجمان، وقد اختص منها آباء هذا الإمام إلى الوصول إلى سيد الأنام، الشاعر الأكتب الشيخ محمد التطاوني فقال: [الطويل]
أما آن أن تستبدل الغيَّ بالرُّشد ... وتثني عنان الهزل منك إلى الجدَّ
إلى م التواني والأماني شرابها ... سراب تبدّى فوق رابيةٍ صلد
فبادر ولا ترج الأمور إلى غد ... فربَّ غدٍ يأتي بما ليس في العدَّ
وسابق إلى سبل السعادة والهدى ... وشمَّرْ لإجراز العلى ذيلَ مشتدّض
وكن واثقاً بالنجح في كل مبتغى ... مؤملهُ في فضل من جلَّ عن ندَّ
ولا سيما إن رمته بشفاعة ... من آل نبي خصّ في الذكر بالحمدِ
خصوصاً ذوي الإحسان من آل محسن ... كرام السجايا كم يد لهم عندي