وقد تبنى أولاً ابن أخيه على بن محمد إلى أن رزقه الله كرام البنين وهم محمد الرشيد باي وعلي باي محمود باي ومصطفى باي. ولما شب بنوه قدم ابن أخيه للباشية بدار الباشا التي هي أعظم من ولاية الأمحال ورجا أن يكون الملك لأبنائه وعقبهم فخرج عليه ابن أخيه وترامى لدى مملكة الجزائر وانتصر بهم على عمه، وفي أثناء ذلك فقد أصغر بنيه وهو مصطفى باي فسار إلى رحمة الله تعالى، ثم وردت المحلة الجزائرية، ولما قاربت الحاضرة خرج لها الباشا حسين باي متجهزاً في عسكره ونزل بسمنجة لمدافعة ابن أخيه، وتلاقى الجيشان، ووقع القتال بينهما يوم الأحد سادس عشر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين، وصدق الجزيريون ومن انضم إليهم من الإعراب القتال، ونجا الباشا حسين وأبناؤه إلى القيروان، واعتصموا بها، وحاصرهم ابن أخيه بعد حروب باشر أكثرها ابنه يونس. ولما طال الحصار نجا أبناؤه الكرام ومن انضم إليهم إلى الغرب وخرج الباشا حسين باي بمن بقي معه لمدافعة حفيد أخيه، وهو يونس باي ووقع قتال استشهده فيه الحفيد المذكور قبلي مدينة القيروان يوم الجمعة سادس صفر الخير سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وحمل ودفن بتربته الرفيعة عليه رحمه الله.
[٢ المولى علي باشا باي]
[[١١٠٠ ١١٦٩]]
هو الأمير أبو الحسن علي بن محمد بن علي تركي، لما لم يكن لعمه حسين بنون تسلمه من أخيه وتبناه واعتنى بتربيته وأحضر لتعليمه من العلماء أولاً الشيخ محمد التونسي فتهذب به، وصار به عالماً، ثم حضر له الشيخ محمد الخضراوي للإقراء والمجالسة، وضم إليه من ذوي الرأي الخبيرين من يكتسب منهم حسن التربية ونشأ على تلك الحال حتى بلغ مبالغ الرجال.
ولما ولي عمه الملك أولاه سفر الأمحال في صفر الخير من سنة ثماني عشرة ومائة وألف، وزوجه بابنه كاهيته على بن مامي فأوتي منها بأبنائه يونس ومحمد وسليمان، ثم زوجه ابنته، وأمل بذلك أن يرث الملك من بعده.
ولما رزقه الله الولد طلب له من الدولة العثمانية الفرمان لسلطاني والقطفان العثماني على العادة، وذلك على عهد السلطان الغازي أحمد خان الثالث. وقدمه لخطة الباشية بدار الباشا سنة سبع وثلاثين ومائة وألف وأسكنه بدار رمضان باي بتونس، وعند ذلك أنف من صنيع عمه به، وتحفز للوثوب للطيران وخرج بابنه يونس هارباً غروب شمس يوم الجمعة عاشر رجب سنة أربعين ومائة وألف، وتحصن بحبل وسلات مدة ثمانية عشر شهراً أجلاه في آخرها عمه إلى الغرب بعد قتالات عديدة فدخل الجزائر وأقام بها عدة سنين يطلب الإعانة على قتال عمه حتى أمده حاكمها إبراهيم باشا على شروط تواعدوا عليها. وانفصل بالمحلة الجزائرية في حجة الحرام سنة سبع وأربعين ومائة ألف، ونازل عمه في سمنجة حتى استولى على محلته وأصبح مقيماً بسمنجة إلا أنه لم يدر خبر أهل الحاضرة. ولما تحقق أهل الحاضرة نجاه العم المذكور وأبنائه وأحضروا مراداً ومحموداً أخوي على باشا وأخرجوا أباه محمداً باي من السجن الذي وضعه فيه أخوه حين رآه مظاهراً لابنه فأخذ عليهم البيعة لابنه علي باشا باي وأركبوا لتلقيه ابنيه محمداً وسليمان فأعلماه بما وقع، فأرسل ابنه يونس ودخل الحاضرة يوم الثلاثاء، وجلس بالقصبة، ووفدت عليه الأهالي للتهنئة, ثم أقبل الأمير علي باشا إلى الحاضرة يوم الأربعاء تاسع عشر صفر الخير سنة ثمان وأربعين ومائة ألف وتمت له البيعة يومئذ، وانقلب الجزيريون لبلادهم بعد لدد ومشاغبة وأخذوا ما وعدهم به، وبعد أيام توفي أبوه محمد باي فجأة. ولما استقل الباشا المذكور أرهف الحد في شيعة عمه، واشتدت سطوته، وصادر الأمة بالمال الكثير، وعرضت في مدة ولايته محاربات فاز فيها بالظفر.
وكانت رجال دولته المقربون لديه باش كاتب الشيخ عبد اللطيف السهيلي وقد وليها بعد عزل الشيخ بوديدح، وكاتبه المقرب عبد الرحمن البقلوطي وعامل الأعراض الحاج مصطفى بن متيشة، وآغا باجة عصمان المملوك.