هل ريء يوماً راغباً في منصب=أو بابَ ذي جاه وجود يطرق؟ هلْ كان غير الاقتصاد سبيله=لا يقتفي رخصاً ولا يتعمّق؟ واسأل ذوي الإغواء هل كانت لهم=في حكمه آمال ميل ترمق
يرضي كلا الخصمين نافذ حكمه ... فترى السجين كأنّما هو مطلق
وإذا خلا الحكام عن غرض وعن ... جهل بحق الله لا يستحنق
وبجملةٍ فالشيخُ فذُّ زمانه ... وبصالح السلف الأوائل ملحق
ما ضرّه التأخيرُ في تصديره ... كاللام في إخبار إنّ تزحلق
يا راحلاَ عن فتية غادرتهم ... حيرى ويومُ البين ليلٌ مطبق
أعزز عليهم أن تغيب ولا يرى ... من شمسكم قبل القيامة تشرق
يا مودعاً في قلب من قد فاته ... توديعكم حرقاً بها يتمزق
هل أعجلتك الحور عنا أم لكم ... علم بأني عن قريب ألحق؟
أم قد نسيت العهد لا بل ها أنا ... مستغفر مما لساني يسبق
جهل العهود البيرمية مبرم ... بسواه ذو التجريب لا يتوثّق
يا آل بيرم لا عدمنا منكم ... عقداً به جيدُ العلوم يطوّق
إن أخلقتْ نوبُ الردى منكم فتى ... ففخاره طول المدى لا يخلق
من ينتحلْ تهذيبكم فجوابه ... شتان خلق راسخ وتخلّق
وعزاؤنا والناس طرّاً واحدٌ ... وأرى المصاب يهون إذ يتفرق
يا رب أكرم نزله وأنله ما ... قد كان من سعة العطا يتحقق
يا رب خلقك يشهدون بأنه ... الأصدق الأوفى النصوح المشفق
يا رب صدّق فيه قول مؤرخ: ... (بمقام صدق حل هذا لأصدق)
?٣٣
[الشيخ أحمد بن الخوجة]
هو شيخنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن حمودة بن محمد بن علي خوجة شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام وحفيد مفتي الأنام فهو ثالث أبائه الكرام في الخطة الشرعية، ولد سن ١٢٤٦ ست وأربعين مائتين وألف، وتربى في حجور العلم والتعليم، والفضل والتكريم، باعتناء والده شيخ الإسلام الذي اتخذ الاشتغال بتعليمه ديدناً في أواخر عمره سائر الليالي والأيام، فجود على والده القرآن العظيم وقرأ عليه الأجرومية وشرح الشيخ خالد والأزهرية والمكودي على الألفية والدرر في الفقه الحنفي وشرح المحلي على جمع الجوامع والسعد على العقائد النسفية، وروى عنه صحيح البخاري وأجازه عنه بسنده العالي إجازة مطلقة رضي الله عنه وهذا نصها: الحمد لله الذي وصل من انقطع إلى جنابه، ووقف ضارعاً خاضعاً ببابه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، صلاة وسلاماً ترجو بهما النجاة يوم العرض على الله من مناقشة حسابه، وأليم عقابه.
وبعد، فإن ولدي الفاضل النجيب، الزكي الذكي الأريب، الحائز من العلوم أوفر نصيب، الرامي في ميدانها بسهم مصيب، الأمجد، الأنجد، أبا العباس أحمد، زاده الله توفيقاً، وحشرني وإياه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، قد التمس مني أن أجيز له فيما تضمنه هذا الثبت وغيره مما أمليت أو كتبت وفي سائر ما هو لدي، وصحت نسبته إلي، فها أنا قد أجزت له إجازة تامة في ذلك كله علماً مني بأنها من وضع الشيء في محله، وأجزت له أيضاً أن يجيز من أراد الكرع من حوضه، والاقتطاف من أزهار روضه، وأوصي ولدي بتقوى الله في سره وعلانيته، فإنه سبحانه مطلع على فعله وعلى نيته، وأن لا ينساني من صالح دعواته، في خلواته وجلواته، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولا حول ولا وقوة إلا بالله العلي العظيم كتبه بيده الفانية الفقير إلى ربه محمد بن بالخوجة عفا الله تعالى عنه بمنه في يوم الاثنين التاسع عشر من صفر سنة ١٢٧١ إحدى وسبعين ومائتين وألف، سبحان المحيي المميت سبحان الحي الذي لا يموت سبحانه لا إله إلا هو.