وذكر في ترجمة شمس الدين الفرغني أن من مصنفاته الضوابط الجلية في الأسانيد العلية. ألفه سنة ١١٧٦ ست وسبعين ومائة وألف وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين أبي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلاّمة أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط، وذكر أيضاً آخر من بيتهم في حوادث سنة١٢٠٩ تسع ومائتين وألف فقال: ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد السقاط الخلوتي المغربي الأصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر إلى مصر وجاور بالأزهر، وحضر على الأشياخ في فقه مذهبه في المعقول، وأخذ الطريق عن الشيخ محمود الكردي ولقنه الأسماء على طريق الخلوتية والأوراد والأذكار وانسلخ من زي المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكاً تاماً ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث إنه لايفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الأنوار وتحلى بحلل الأبرار وأذن له الشيخ بالتلقين والتسليك. ولما انتقل شيخه إلى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالإجماع من غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع عليه الجماعة في ورد العصر والعشاء، ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب إليه واشتهر ذكره وأقبلت الناس عليه ولم يزل على حسن حاله حتى توفي في مشهد حافل اه.
وقد بلغني عن نظم في علم الكلام أوله: [الرجز]
يقول راجي الفوز في الصراط ... محمد بن العربي السَّقَّاط
ولاأدري هل هو ناظمه أو غيره وإنما نقل لي الشيخ الطاهر السقاط قاضي الفريضة عن والده أن صاحب هذا النظم من بيتهم. كما أخبرني بالرواية عن والده وعن غير واحد من أعيان المغرب أنهم ينسبون إلى اللمطي بحيث إنهم يقال لهم أبناء السقاط اللمطي نسب إلى اللمطات وهو أخو حمير وكهلان من العرب العرباء وعليه فبنوا السقاط ذريته مشاهير قبائل العرب. ثم إن جميع بني السقاط المذكورين أصلهم من الأندلس من بيت كاتب غرناطة الوزير أبي القاسم بن السقاط أحد جلّة كتاب الأندلس ممن عاصر أبا الفتح محمد بن خاقان في أوائل المائة السادسة وقد ذكره في قلائد العقيان فقال في ترجمته:
الوزير الكاتب أبو القاسم بن السقّاط
مسْتعذب المقاطع، كأنّما صوّر من نور ساطع، أبهى من محيّا الظبي الخجل، وأحلى من الأمن عند الخائف الوجل يهبّ عطراً نشره، ولا يغبّ حيناً بشره، تجتليه بسامأن وتنتضيه حسامأن إن واخاك أبرم عقد إخائه، وأعفاك من زهوه وانتخائه، ماء صفائه وارف يكاد يقطر، وسماء احتفاءه واكفة أبداً تمطر، وله أدب لو نشر لكان برداً محبّرأن أو تنسّم لكان مسكاً وعنبرأن وأمّا الخطابة ففي يده صار عِنانهأن وعليه وقف عَنانها وقد أثبتُ من نظمه ونثره، ما ينظمه الزمان عقداً في نحره، فمن ذلك قوله يصف أيام إيناسه، وماكيّف له الشباب من أنواع الوصل وأجناسه: [المتقارب]
سقى الله أيامنا بالعذيب ... وأزماننا الغرّة صوب السحابِ
إذ الحبّ يابثنى ريحانة ... تجاذبها خطرات العتاب
وإذ أنت نوّارةٌ تجتني ... بكف الهنا من رياض التصابي
لياليَ والعيشُ سهل الجنى ... نضير الجوانب طلق الجنابِ
رميتك طيراً بدوح الصبا ... وصدتك ظبياً بوادي الشبابِ
وله يصف يوماً أطربته فيه الأماني، وهزته المثالث والمثاني وجرى الدهر به طوعاً في أزمته، وانقاد إليه الأنس برمته، وسقته الراح صفوهأن وأقطعته الأيام طربها ولهوها: [الطويل]
ويوم ظللنا والمنى تحت ظلّه ... تدور علينا بالسعادة أفلاكُ
بروض سقته الجاشرية مزنة ... لها صارم من لامع البرق فتّاك
ترشدنا الصهباء أضغاث آسه ... كأنا على خضر الآرائك أملاك
وقد نظمتنا للرضى راحة الهوى ... فنحن الللآلي والمودَّات أسلاك
تطاعننا فيه ثديّ النواهد ... نهد لحربي والسنوّر أفناك
وتجلى لنا فيه وحوه نواعم ... يخلن بدور والغدائر أحلاك
وكتب يشفع لمدل بذمام شباب صوح نوره، وبرح به غدر الزمان وجوره: