وقد ألف رسالة في رؤية الهلال وأخرى في مسائل الحيطان، وله اختام على أبدع نظام، فقد ابتهجت ببهجته الليالي والأيام، وصاهر بابنته الأمير حمودة باشا فنال غاية الاحترام، وقد رزق منها بولد سماه محمداً وتوفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من المحرم سنة ١٢١٥ خمس عشرة.
وقد نال الشيخ من إقبال دنياه غاية المرام، وتقلب في النعم الجسام، إلى أن أدركه الحمام، يوم الثلاثاء سابع عشر ثاني ربيعي سنة ١٢١٦ ست عشرة ومائتين وألف، عليه رحمة الله وأرخ وفاته العالم الشريف الشيخ عمر المحجوب بقصيدة قالها في تاريخها: [الطويل]
وقال بشير الحال فيه مؤرخاً ... (أعدّت له دارُ السلام ونزلها)
ورثاه أيضاً أخوه العالم الشيخ أحمد البارودي بقوله: [الطويل]
قفا بضريح ضم نور محمد ... شقيق لبدرٍ لا أقول لفرقد
جميلٌ عفيفٌ ذو وقار مقرر ... عزيز كريم ذو فخارٍ وسؤدد
جليلٌ مهاب في القلوب معظّمٌ ... إذا ما بدا فرداً على كل مفردِ
فقف خاشعاً واعلم بأن مصير ذا ... إلى مثل هذا المصرع المتوحّدِ
وعظْ واتعظْ وانهض إلى الفوز بالتقى ... كما كان ذا بالبر والمجد يرتدي
هو العلمُ العلامةُ الفاضلُ لاذي ... علمتُ به علماً به كنتُ أهتدي
محمد البارودي يا طيب محتدٍ ... له، ابن حسين سيّدٌ وابن سيّد
رئيس لعلم الشرع من بعد والدٍ ... فكان بحمد الله أكرم مقتدِ
تصدّر للإفتاء لما بدت لنا ... عوائصه قد كان أرشد مرشدِ
لما كان فيه من صلاحٍ وعفةٍ ... وذهنٍ منير ثاقب متوقّدِ
فكان بفضل الله فيه مثابراً ... على الحق يرويه برأي مسدّدِ
وقد كان في فنّ التلاوة آيةً ... تحرّى بها فضلاً على كل محتدِ
بكته المعالي والمنابر مذ بدا لها ... لها نعيه: وافرقتاهُ لمنشدِ
كذاك محاريب المساجد هدّمت ... ولم تر فيها بعده من مجدّد
فطبت أخي حيّاً وميتً ومبعثاً ... وجوزيت بالقرآن قرباً لأحمدِ
كذاك شقيقي قلت فيك مؤرخاً ... (قبلتَ بقرآنٍ جوار محمدِ)
[١٨ الشيخ محمد بيرم الثاني]
هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بن بيرام تقدمت ترجمة والده شيخ الإسلام الأول.
وقد ولد ولدُه هذا في السادس عشر من ذي القعدة الحرام عام ١١٦٢ اثنين وستين ومائة وألف، واعتنى والده بتعليمه فقرأ القرآن العظيم وجوّده على أعيان منهم الشيخ محمد قارة باطاق، وقرأ على الشيخ قاسم بن عاشور أيضاً صغار كتب النحو إلى الشذور وشرح الشيخ في الكلام، وقرأ على الشيخ أحمد سويسي الفاكهي والألفية والتصريح، وقرأ على الشيخ الكواش القطر والفاكهي والعصام ومختصر السعد ونبذة من المطول ومختصر ابن الحاجب، وقرأ على الشيخ أحمد الثعالبي مختصر السعد والكبرى، وقرأ على الشيخ محمد الدرناوي التهذيب والوسطى ونبذة من مختصر السعد وقرأ على الشيخ محمد الشحمي دروساً من التهذيب والقطب والمطالع والكبرى. وقد تضلع من معقول العلوم ومعقولها، وحصّل ما بلغ به الغاية في فروعها وأصولها، حتى صار مشاراً إليه في سائر العلوم، عمدة المنطوق والمفهوم.
وقد أخذ صحيح البخاري عن والده ونظم سنده فيه بقوله: [الرجز]
سندُ هذا العبد في البخاري ... عن والدي صين من الأكدار
قراءة بعضه والبعضُ قدْ ... أجازني فيه بوجه معتمدْ
وهوَ روى عن شيخه المكودي ... عن الحريشي العلم المقصودِ
عن شيخه الفاسيّ عبد القادر ... عن عابد الرحمن ذي المفاخر
عمّ أب له عن القصّار ... عن شيخه خروف النظار
عن شيخه الفخر سقين العاصمي ... عن زكريا الفذّ ذي المكارم
عن حافظ الدنيا الإمام ابن حجر، ... لعسقلان الفخرُ إذ منها ظهر
عن التنوخيّ عن الحجّار ... عن الزبيدّي الشائع الأذكار
ذا عن أبي الوقت عن الداوودي ... عن السّرخي المنهل المورود
عن الفربريّ عن البخاري ... دامت عليه رحمات الباري