للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجلس للتدريس وعمره ثماني عشرة سنة، فقلّد الرقاب من در علومه النفيس ما شئت من تدقيق وتحرير، فاق به الجهابذة النحارير، وما شئت من أدب يملأ المحاضر، ومتانة علم تخلدت آثارها في بطون الدفاتر، تحريراته في المذهب النعماني بالديار التونسية هي التي عليها اليوم العمل، وكم له في ذلك مما يبلغ به المتحري في دينه غاية الأمل، وقد كتب على شرح الشيخ قاسم لمختصر المنار الأصولي شرحاً بديعاً، وشرح رسالة الشيخ لطف الله الأرزويلة في الترتيب بين الفوائت، وكتب رسالة في شرح عبارة الدرر في الطير ورسالة نيل المنى في استحقاق المشترى بعد البنا، ورسالة القول الأسد في حكم الميت في الوقف من غير ولد، ورسالة تحقيق المقال في حكم المغارسة والاستنزال، ورسالة تحقيق المناط في عدم إعادة الساباط، ورسالة حسن الحط على توهم جواز الاحتجاج عندنا بالخط، ورسالة فيما يلحق من الطلاق المردف، ورسالة فيما يرجع فيه الدافع عن غيره وما لا يرجع، ورسالة الوفا بأحكام بيع الوفا، ورسالة في السفينة التي استؤجر ملاحها على تبليغ متاع لموضع معين فغرقت هل له أجر أم لا وسماها "طلوع الصباح على المتحير في أجر الملاح".

وقد قرظها والده شيخ الإسلام الشيخ محمد بيرم الأول بما نصه: حمداً على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا يمكن بالعد أن تستقصى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ذي الشرف والكمال، وعلى جميع أصحابه والآل. وبعد فقد أجلت فكري في مطاوي هذا الورق، الذي هو باسم الورق أحق، فألفيته أنبأ عن فكر ألمعي، وذكاء لوذعي، إذ أخذ بجميع أطراف مسألة السفينة، وتمكن بمتعلقاتها مكنةٍ مكينة، وصدق فيها المثل السائر، "كم ترك الأول للآخر" أشكر الله تعالى على هذه النعمة الحميدة، شكراً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، أن أهّل ولدي ثمرة عمري، وجلاء بصري، لهذا الجمع الغريب، والأسلوب العجيب، في التفرقة بين المخطئ في هذه المسألة والمصيب، فرفعت أكف الابتهال، إلى الكريم المتعال، في أن يمتع المسلمين بطول وجوده، ويفيض عليه سحائب كرمه وجوده، ويوفقه لما فيه رضاه، ويتولى حفظه في دنياه وأخراه، انتهى.

وآدابه قد خلدت آثار البلاد، بأبدع طريقة تستجاد، فقد نظم ملوك الدولة التركية بتونس، وشرح نظم المفتين الحنفية خاصة بها وشرحه المذكور هو الذي دعاني إلى تحرير هاته العجالة ولكن أقول: [البسيط]

وابنُ اللّبون إذا ما لزّ في قرنٍ ... لم يستطع صولة البزل القناعيس

استغفر الله أن أكون محاكيه، وأين الثريا من يد المتناول.

وكتب رسالة في التعريف بنسبهم البيرمي أودعها جميع ما مدح به هو وما قاله من الشعر الرقيق مما أغناني عن ذكر ذلك هنا.

ونظم سلاطين آل عثمان، وله نثر وشعر رقيق يرزي بكأس الرحيق.

وقد قدمه والده لمشيخة المدرسة العنقية وخطبة الجامع اليوسفي وقد أخذ عنه خلق كثير وانتفعوا بعلمه.

وفي صبيحة يوم السبت الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة ١١٩٢ اثنتين وتسعين ومائة وألف قدمه الأمير علي باي لخطة القضاء فأحسن القيام بها وتحرى لدينه فكان من قضاة العدل إلا أنه لم يرض البقاء على تحمل أخطارها واستقال منها بمكتوب بديع كاتب به الأمير وهذا نصه:

<<  <   >  >>