ونشأ ولده في خدمة العلم الشريف وقرأ على علماء كثيرين، قرأ على الشيخ أبي محمد حسن الشريف، والشيخ أحممد بوخريص، والشيخ الطاهر بن مسعود، والشيخ إبراهيم الرياحي، والشيخ محمد بن ملوكة وغيرهم من علماء ذلك العصر.
وجلس للتدريس فأفاد، وتقدم مدرساً بجامع الزيتونة في الطبقة الأولى عند وضع الترتيب الأحمدي أواخر شهر رمضان المعظم سنة ١٢٥٨ ثمان وخمسين ومائتين وألف فزان الجامع بدروسه الرائقة غير أنه مع ذلك استغل بالمتجر واتسع فيه نطاقه وذلك هو الذي منعه من كثرة الإقراء مع كونه عالماً جليلاً.
تقدم لحظة قضاء باردو المعمور في الحادي عشر من صفر الخير سنة ١٢٦٣ ثلاث وستين ومائتين وألف فأحسن القيام بها وحُمد مسعاه فيها ثم قدمه المشير أحمد باشا باي لحظة الفتيا فولي مفتياً خامساً في الخامس والعشرين من رجب سنة ١٢٦٧ سبع وستين ومائتين وألف، وأفاد الطالبين والمستفتين ولما توفي الشيخ الخضّار صار مفتياً رابعاً.
أما شعره فهو عزيز ومن أحسنه القصيدة الغراء التي مدح بها المشير الأول أحمد باشا باي وجمع فيها مفاخر دولته وشكر بها صنعه في نشر العلم بجامع الزيتونة وهي قوله: [الطويل]
خليلي ما تلك القباب التي تجلو ... فقد لاح منها ما به يذهل العقلُ
تراءتْ على بعد فعاودني الصبا ... وهيّج لي التذكار ما كان لي يحلو
تهادي سروراً والهمومَ تذودها ... كما تفعل الصهباء لوْ فاتها الخبلُ
وتمنه من وافاه رونق حسنها ... من أن يلتوي عنها ولو شأنها المحلُ
بعيد عن الآفات من حام حولها ... فلا ضيم يخشاه ولا ظالم نذلُ
إذا ما علته الطير ظلت سواكناً ... كأن جناح الطير أوثقه الكبلُ
تظلُّ حيارى من غرائب صنعها ... وإن تركت أفراخها ما لها أكلُ
متى أمَّها الرامي وأوتر قوسه ... وحقق فيها الرمي طاش له النبلُ
كذلك جار الأكرمين ممنّع ... مصون عن الأعداء ما نيله سهلُ
ومن بينها حسن ترآى لناظري ... مشسّدة أركانه شادةُ العدلُ
فيممته حين وقفت تجاهه ... وأيقنت أن الحصن ليس له مثلُ
فناجتن نفسي أنتي الآن واقف ... أمام الذي يمناه بالجود تنهلُ
مشير أبي العباس من طار صيته ... فعمَّ البرايا والكرامُ له تتلو
إمامٌ همامٌ سيّد خضعت له ... رقاب الألى ما كن يخضعن من قبلُ؟
فتوَّجهمْ تاجَ الرضى وأنالهم ... مقامات عزِّ شامخاتٍ بهم تعلو
ولو أعرضوا أو خالفوا لأذاقهم ... كؤوس المنايا صاغرين وإن جلوا
فمجده مرٌّ علقميّ مذاقه ... مهاب إذا قابلتهُ العقل يختل؟
فحاذر إذا جئته حين جده ... وبادر إليه ريثما يُشتهى الهزلُ
خبير بأعقاب الأمور وسرُّه ... مصون صدور لا يحلُّ لها قفلُ
وكم له منْ فخرٍ وفضل وسؤدد ... وفعل جميل لا يحيط به القول
فأحيا رسوم العلم بعد اندراسه ... ودحض أهاليه وقد سامه الخذلُ
فعمّر سوق العلم واغتصَّ جمعه ... وسارت له الركبان والتأم الشملُ
وجاء لنيل العلم من كل جاني ... وأقصى مكانٍ لا عياء ولا هزلُ
وكانت نفوسٌ جامحاتٍ فأصبحت ... له جانحات والمرارة قد تحلو
وبادر للتعليم ناء وحاضر ... غني وذو فقر صحيح ومعتلُ
وشوقهم للعلم رغباً وساقهم ... عطاءٌ جزيلٌ وافرٌ صوبه وبلُ
ونوَّر بيت الله بالعلم إذ حوت ... مصابيح علم تستضاءُ بها السُّبلُ
وأتحفه من نيله بعرائسٍ ... متوجةً ففي ضمنها الصعب والسهلُ
وفيها فنون يفتر العقل دونها ... يحاولها من وصفه الدذق والنبلُ
وأغراهم شوقاً وأوقد عزمهم ... وأورثهم خيراً مرتبة الجزلُ
فأكرمْ بها من نعمة ذخرتْ له ... أشيدت لها الرايات وانتشر الفضلُ
وأحيا لدين الله أفضل موسم ... بمولد خير الخلق حق له الفضلُ
بنشر علامات السرور وبسطه ... موائد إكرام تناوله سهلُ
وفُتحتْ الأبواب وانتشر الضيا ... ونوِّرت الأسواق واحتفل الأهلُ
وجيء لبيت الله من كل جانب ... وظلت جموع الخلق كل له شفلُ
فقومٌ بذكر الله تاهت قلوبهم ... وقومٌ كتاب الله ألسنهم تتلو