للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما بعد فيقول أسير ذنبه وفقير كسبه الراجي عفو ربه، الفار من حوله وقوته، محمد بن علي الغرياني بوأه الله تعالى ومن أحبه دار الهناء والأماني، قد أجزت ولدنا الفقيه النبيه، الحسيب النسيب، الحائز من الفضل والعلم أوفر نصيب، المشارك في سائر العلوم، الراضع من لبانها الفمنطوق والمفهوم، وبلغ فيها بفضل الله غاية المراد، وبحث فأجاد وأفاد أبا حفص عمر بن أخينا حقاً، ومحبنا صدقاً العلم الشهير، النقاد الخبير، مفتي الأنام وشيخ الإسلام فريد دهره ووحيد عصره المتفنن في العلوم العقلية والنقلية المنفرد في الرئاسة الإفريقية أبي الفضل الشيخ الفاضل والهمام الأجل الكامل سيدي قايم المحجوب فيما تضمنه هذا الثبت بالسند المتصل بالمشايخ الأجلة والبدور الأهلة القائمين بالشريعة في عين الحقيقة السالكين في ذلك واضح محجة وطريقه إجازة عامة مطلقة إقراء وقراءة وإجازة لغيره بشرطه المعتبر عند أهله لأنه من وضع الشيء في محله وإعادته إلى من هو من أهله وعلمي بتقوى الله وأن لا ينسانس من صالح دعائه ونسأله سبحانه أن ينفع به العباد في الحاضر والباد، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير والصلاة والسلام على النبيّ الشهير وآله وصحبه ذوي الفضل والخير النضير.

ونبغ في المعقول والمنقول وسلك في العلوم الفقهية والأصولية مسلك والده وأحرز راية البراعة في المعقول وحسن الخط وفصاحة القلم واللسان وجلس للتدريس فأفاد وكان من علمه وفضله يكتب للدولة مهمات المكاتيب الإنشائية بفصاحة قلمه، وحسن إنشائه، ونسخ للأمير كتباً تبهر العقول بحسن خطها وتنميقها مع اليد الطولى في حسن التوثيق والشعر الرقيق وجودة الصوت وجمال السمت.

ولما توفي شيخ الختمة بجامع الزيتونة وحفيد شيخها الشيخ سويسي الثاني تقدم صاحب الترجمة عوضه شيخاً على الختمة.

ولما توفي الإمام الثاني بجامع الزيتونة تقدم إماماً ثالثة بجامع الزيتونة في غرة رجب الأصب سنة ١٢١٠ عشر ومائتين وألف وهنأه الكاتب الشيخ محمد الدرناوي في ذلك بقوله:

يا أيها العلم الحبر الإمام ومنْ ... حفته من جده طه العناياتُ

ومن تسامى إلى أن نال مرتبة ... في الأفق من دونها الشهب المنيراتُ

وأيها العلم الفرع الذي جُمِعَتْ ... فيه خصال حميدات جميلاتُ

إن النيابة مذ وليتها ابتهجت ... حتى لقد أشرقت منها الدُّجنَّاتُ

فيا لها خطة قد كان فاز بها ... أيمة في قديم الدهر ساداتُ

أتتك ساحبةً ذيل الفخار بكم ... من بعد شوق وللأشياء أوقاتُ

فاهنأْ بها يا أبا حفص الإمام ودم ... في أنعم ما لها في العد غاياتُ

وليكن في كريم علمك أيها الشيخ الجليل، والفاضل الذي ليس له من مثيل، أنه قد تعذر عليَّ الحال، عن زيارتكم الهنا، يا نعم المنى والتأنيس بلقيلكم، ومشاهدة محياكم، ولم أجد عارفاً بشروط النيابة لمخاطبة تلك المثابة.

[الطويل]

بعثت بنظمي نائباً عن زيارتي ... ومخن لم يجد ماء تيمم بالترب

والخليل الجليل، والكريم الكثير الجميل، يقبل القليل، كالعين مع شرفها تقبل ما يهديه إليها الميل، وربنا سبحانه وتعالى يزيد في قواكم، على القيام بما أولاكم، ويتقبل منا ومنك حسن الأعمال، ويجعلنا وإياكم من أهل الكمال، والسلام.

وحيث أن صاحب الترجمة ولي الخلافة على توالي المرض كتب إلى صديقه المهني له بما نصه: [البسيط]

وافت وللصب من شكواه لو عاتُ ... تحية عبقت منها البراعاتُ

ما خلت قبل انتشائي من بدائعها ... أن المهارق منها البابلياتُ

ما غادة غَنِيَتْ في روضة زهيت ... أنوارها منها وزهت المنيراتُ

أطيارها صدحت تشدو بما فرحت ... من حسن ما شرحت تحلو الصباباتُ

أبهى وأحسن عندي من مهارقكم ... حلت بها من معاني الحسن أشتاتُ

فنظمها ناثر في مسمعي درراً ... والنثر ينظم منه اللؤلئياتُ

تخالها كالدراري السبع في طبق ... من النضار لهل بالمسك حالاتُ

راقت لدى ناظري منها قلائدها ... وشنفت أذني منها المقاماتُ

جاءت وقد عظمت عندي نيابتها ... عنكم فهنت ولذت لي النياباتُ

يا أيها الأوحد الأحظى بمنزلة ... على البيان لكم منها الولاياتُ

<<  <   >  >>