للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما محلة وزير الحرب أحمد زروق فقد أتت على بغاة الساحل فنزلت بحلق المنجل وانضم إليها جلاص وأهل بلد القلعة الكبرى واقتربت المحلة من البلد المذكور حين بلغها تجمع بغاة الساحل تحت رئاسة أحد أشقيائهم الدهماني البوجي من بلد مساكن فهاجموا المحلة واعتضدت بمن انضم إليها يوم الجمعة أول جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وانتصرت جيوش المحلة ووقع القبض على الدهماني وكبراء أنصاره وقتل جميعهم وعند ذلك سكنت فتنة الساحل وانقاد العسكر من أهل الساحل للخدمة، ونزلت المحلة حول سوسة حيث إنها لم تتجاسر على العصيان ورجعت جلاص بعد أن هجم بعضهم على القيروان وكادوا أن يوقعوا بعاملها رشيد كاهية. ولما تمّ القبض على زعماء البغاة الأشقياء جالت يد أنصار الدولة في القبض على أعضاء الثورة ومن تشيع إليهم وهز عصا الشقاق ونال كل واحد منهم ما ناله من القتل والسجن أو الضرب واشتدت الوطأة على كثير من الأشقياء بطلب مغارم الثورة وضربت تلك المغارم على الأعراض وجربة وصفاقس وعموم بلدان الساحل عدا أهل سوسة والقلعة الكبرى لتقدم طاعتهم ورجعت محلة الأمير علي باي مصحوبة بمن قيدتهم من البغاة ودخلت الحاضرة يوم الخميس ثاني ذي الحجة الحرام سنة إحدى وثمانين.

وفي يوم السبت وزع جناب المشير نيشاناً جديداً خضه بمن باشروا هاته الحرب جعله على صنفين من ذهب وفضة، فقلد لأخيه أمير المحلة نيشاناً ذهباً أعطى منه لأصحاب الرتب العالية ثم وزع النيشان الفضة على سائر العساكر وهكذا صنع مع رجال محلة وزير الحرب ورجال محلة وزير العمالة التي تأخرت بجبل باجة للحراسة وكان قدومها يوم الخميس التاسع عشر من جمادى الثانية سنة أربع وثمانين ومائتين وألف. وأفاض المشير محاسن إنعامه على رجال دولته، وصنع نيشاناً جديداً مزججاً سماه عهد الأمالت وقلده رؤساء المحال وخاصة رجال الدولة وتدارك عموم الرعايا من البغاة وغيرهم بحلمه، ونهض لمباشرة الحكم بنفسه، وأمر بإصلاح الأبراج، وبنى قنطرة وادي الزرقاء على طريق الرحيات وأتمّ بناء قشلة القيروان التي كان ابتدأ بناءها المشير الأول، وفتح لها باباً ثانياً وكان تمام بنائها سنة ثلاث وثمانين، وحسن قشلة الطوبجية، ووقع استبدال مدافع سائر الأبراج من نوع النحاس بمدافع أخرى. واجتمع شمل العساكر وقام الأمير بعدله وإنصافه وأحسن الصنع مع الأهالي، وحفظ شارات الملك بما يلزم حتى منع تقبيل اليد لغير الملك.

وأصدر الإذن بذلك تاسع صفر الخير سنة ثلاث وثمانين، وأعمل يعملات حزمه غير أن تلك الثورة أعقبت تناقصاً عظيماً في الفلاحة بسبب الغارة وإفساد الزرع حتى عظم تناقص المكاسب، وقلت الدراهم في البلاد فاضطر الحال إلى تكثير الدراهم، وجلبت سكة جديدة من النحاس ذات قيمة نصف الريال والربع والثمن والخروبة ضربت في الخارج من نوع سكة البلاد، فاستكثر الصرافون قيمتها وأبخسوا ثمنها وغلت الأشياء من ذلك غلواً لم يعهد وبلغ صرف مائة الريال من الفضة أو الذهب إلى ثلاثمائة ريال من سكة النحاس المذكورة وبذلك بلغ سعر الويبة من القمح إلى خمسة وخمسين ريالاً، والمَطر الزيت إلى مائة وعشرة ريالات كل ذلك كان أوائل عام ثلاثة وثمانين فأسقط الأمير من قيمة السكة المذكورة نصفها في الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وثمانين. ثم في الخامس عشر منه أسقط من قيمتها نصف الباقي فصارت قيمة النصف الريال السابق ثُمناً وعلى نسبته ما دونه، وبذلك اعتدل الصرف وتنازلت الأسعار. غير أن مواسم الأمطار تخلفت أيضاً في تلك السنة وجاهر أهل جبل باجة بالخلاف أول عام أربعة وثمانين فخرج لهم وزير الحرب أحمد زروق في محلة من العسكر النظامي والطوبجية والخيالة وزواوة وحشد معه كلأ من الهمامة ودريد. ثم أدركهم أمير المحلة علي باي في منتصف جمادى االأولى، وسكن الفتنة بعد أن سد منافذ ظهورها وكز راجعاً فدخل إلى باردو المعمور في الثامن عشر من جمادى الثانية بعد أن تقدمه أخوه العادل باي بستة أيام. ورجعت محلة وزير العمالة رستم التي خرجت منذ الثورة السالفة وعند ذلك زال الخلاف، واجتمعت القلوب على الإسعاف، كير أنه في زمن الشتاء ظهر مرض الحمى وانتشر ذلك المرض في سائر الجهات، وتكاثرت الأموات تكاثراً وبائياً، واجتمع على الناس

<<  <   >  >>